٭  Magdy Abdel-Hadi مجدي عبد الهادي –

ملخص

تعالج الورقة المنطق المؤسسي وراء السياسات الاقتصادية المصرية، التي أدت لما أصاب الجنيه المصري من تدهور شديد طوال العقد الأخير؛ انطلاقًا من أنه لا يمكن تفسيرها كمجرد أخطاء تقدير أو انحرافات تنفيذ، بل كاضطرارات للنموذج السياسي الحاكم في مصر، المتسم بالاستبداد والمحاسيبية، في مواجهة تناقضات التمويل والتمثيل والمشروعية، التي تفاقمت بشكل خاص بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011، والتي تتجذر في تفاقم تأزم المالية العامة مع تراجع الموارد الريعية، ومن ثم الحاجة لتوليد مزيد من الموارد الضريبية، بما يتطلب مزيدًا من التمثيل السياسي يتناقض مع طبيعة النموذج الاستبدادية ويهدد شبكاته المحاسيبية؛ ما اضطره لنموذج “تنموسياسي” متناقض ذاتيًّا، يفرط في آليات الجباية غير الطوعية لتعويض العجز المالي (لحل تناقض التمويل والتمثيل)، ويحاول تمتين وإعادة هيكلة شبكاته المحاسيبية عبر تنمية استعراضية مكلفة ماليًّا وغير فعالة اقتصادية (لحل تناقض التمثيل والمشروعية)؛ ما كانت نتيجته مقاومة اجتماعية سلبية بتراجع الاستثمار الخاص وارتفاع الميل للاكتناز والمضاربة والهروب من العملة الوطنية بالدولرة…إلخ؛ بشكل أضعف الاقتصاد والعملة معًا.

الكلمات المفتاحية: مصر، الجنيه  المصري، الدولار الأميركي، الدولرة، الاستبداد، المحاسيبية، ثورة 25 يناير

Abstract:

The paper addresses the institutional logic behind the Egyptian economic policies, which led to the severe deterioration of the Egyptian pound over the last decade. These policies cannot be interpreted as mere errors of estimation or deviations in implementation but as necessities of the ruling political model in Egypt, which is characterized by tyranny and cronyism and faced with contradictions in financing, representation, and legitimacy. Those contradictions were particularly exacerbated after the January 2011 revolution and are rooted in the exacerbation of the public finance crisis, while rentier resources are declining, which increased the need to generate more tax resources, which require more political representation. That political representation contradicts the authoritarian nature of the model and threatens its patronage networks. What forced it to adopt a self-contradictory “develo-political” model, which increases involuntary collection mechanisms to compensate for the financial deficit (to resolve the contradiction of financing and representation) and attempts to strengthen and restructure its patronage networks through exhibitional development that is financially costly and economically ineffective (to resolve the contradiction of representation and legitimacy). The result was negative social resistance materialized in a decline in private investment and a rise in the tendency toward hoarding, speculation, and escape from the national currency through dollarization, which all weakened both the economy and the currency.

Keywords: Egypt, Egyptian pound, US dollar, dollarization, tyranny, cronyism, 25 January revolution

مقدمة

احتل الجدل حول التدهور المستمر للجنيه المصري، أو ما أخذ إعلاميًّا اسم التعويم، جزءًا معتبرًا من النقاشات الاقتصادية طوال العقد الأخير، بعد أن قامت مصر بخمسة تخفيضات/تعويمات كبيرة، بالإضافة لعدة تخفيضات تدريجية بسيطة، خلال عشرة أعوام (2014-2024)، لينخفض الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي من حوالي سبعة جنيهات إلى ما يجاوز اليوم 47 جنيهًا للدولار الواحد، بإجمالي انخفاض جاوز 85% من قيمته مقابل الدولار، الذي انخفض هو نفسه بحوالي 24% خلال نفس الفترة؛ ليكون إجمالي الانخفاض الحقيقي في سعر صرف الجنيه بالمقارنة بدولار 2014 حوالي 90%.

هذا التدهور السريع خلال عقد واحد، والجدير بوصف الانهيار بالنظر لحجمه الكلي وانعكاساته على دخول ومدخرات ومستويات معيشة المصريين، استقطب كثيرًا من الجدل حول أخطاء السياسات الاقتصادية المصرية طوال العقد الأخير، من استدانة مفرطة وسوء توظيف للموارد واعتماد غير رشيد على الأموال الساخنة، فضلًا عن اللجوء المتكرر لصندوق النقد ضمن كل ذلك(1)، رغم كل الخبرات التاريخية السيئة، والقريبة، لمصر نفسها معه(2).

وقد انصبَّ أغلب التحليلات على الجانب الاقتصادي التقني من إشكالات تجارية ومالية ونقدية، كلها مهم ووجيه وأساسي، لكنها لا تكفي لتفسير “تسارع” التدهور خلال العقد الأخير بالتحديد، لهذا لا تكتمل إلا بتناول بُعد آخر يؤطرها جميعًا، ويفسر جزءًا محوريًّا من خلفية تلك الإشكالات نفسها، هو البعد المؤسسي، الذي يتصل بطبيعة النظام السياسي.

كذا لا يمكن تفسير خطايا السياسة الاقتصادية المصرية طوال العقد الأخير وما قبله بمجرد النزعات الفردية أو قلة المعرفة والخبرة، أو أخطاء التقدير وسوء التنفيذ؛ فخلافًا لسذاجة هذا القول الذي يقيس الدول على الأفراد، فإنه يخالف حقيقة قِدم مشكلة تدهور الجنيه ووجود خبرات فعلية وسوابق تاريخية لمصر مع كل الإشكالات المنتجة لها، كما، وهو الأهم، لا يفسر مطلقًا استمرار وتكرار كثير من هذه الأخطاء، رغم كل ما سبَّبته من أزمات.

فمثلًا، ليس جوهر المشكلة في الإفراط المالي بحد ذاته، أو “انعدام المسؤولية المالية”، حسب وصف روبرت سبرينجبورج، ضمن تلخصيه لإشكالات النموذج الاقتصادي المصري في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، باندفاعه للإسراف في الإنفاق بما تجاوز إمكانيات مصر، ومحاولة إنشاء دولة ريعية دون وجود ريع من الأساس، معتمدًا كبديل على الائتمان وتقليص الاستهلاك المحلي من السلع العامة وغيره(3)، فربما لم يكن الإفراط المالي سوى مظهر المشكلة، لا أصلها الحقيقي النهائي، خصوصًا إذا كان ثابتًا كاتجاه عام منذ عقود؛ بحيث لا يمثل الفارق بين السيسي وما قبله سوى فارق درجة -هائل بالطبع- لا فارق نوع.

وهكذا، فما تستهدفه هذه الورقة هو تحليل دور طبيعة النظام السياسي في مصر، من غلبة الميل الاستبدادي المحاسيبي عليه بأكثر الأوصاف عمومية وتحفظًا(4)، في التدهور المتسارع لسعر صرف العملة الوطنية خصوصًا، وفي تفاقم ركود وهشاشة الاقتصاد المصري عمومًا، من جهة خلفيات ودوافع ممارساته الاقتصادية والمالية، ومن جهة قنوات وأشكال تأثيره على أبعاد الأداء الاقتصادي الأساسية ذات الصلة، دون توسع أو إغراق في تفصيلات الاقتصاد التقني لمشكلة سعر الصرف، مما تناولناه سابقًا في مواضع أخرى(5).

وهكذا تبدأ الورقة بنبذة موجزة عن الأبعاد الهيكلية لمشكلة سعر الصرف في مصر، ثم مناقشة لأزمة النموذج السياسي بمعضلاتها ووجوهها الثلاثة من تناقضات التمويل والتمثيل والمشروعية، وبعدها المناورات الجبائية والتنموسياسية التي يتبعها النظام السياسي لمواجهتها، وصولًا إلى انعكاسات تلك المناورات على الاقتصاد والعملة، وما يمكن توقعه على أساس تلك الانعكاسات.

نبذة عن الأبعاد الهيكلية لمشكلة سعر الصرف في مصر

حيث يمثل سعر الصرف، أو بصيغة أخرى، القوة الشرائية الدولية للعملة الوطنية، تجسدًا نهائيًّا لكافة أبعاد ومتغيرات الاقتصاد الداخلية والخارجية؛ فإنه يمثل أحد أعقد الظواهر الاقتصادية من جهة تداخل العوامل المؤثرة فيها وتعدد مستويات تأثيرها وتفاعلها، وما يزيد الأمر صعوبةً مكونه السياسي والإداري الصريح، بكل ما يتضمنه من توجهات فكرية وأولويات عملية للسلطة الحاكمة من جهة، ومن أخطاء التقدير والتنفيذ الحاضرة حتمًا ودومًا من جهة أخرى.

يزداد التعقيد تعقيدًا بمعالجة الإشكالية في سياق الاقتصادات المتخلفة أو النامية، سواءً كانت شبه صناعية أو ريعية أو خليطًا من الاثنين معًا، بكل ما تعانيه أمثال هذه الاقتصادات من اختلالات أعمق وتناقضات أَحَدَّ داخليًّا، وما تعانيه من قيود أكبر ومساحات أقل للمناورة بفعل التبعية للمراكز الرأسمالية خارجيًّا.

ودون إغراق في تفاصيل تخرج عن نطاق الورقة، أو تكرار لما سبق وتناولناه تفصيلًا في مواضع أخرى(6)، فالاقتصاد المصري اقتصاد شبه صناعي بانحراف ريعي صريح؛ يعاني من عجز تجاري مزمن (فلم تغط الصادرات السلعية سوى ثلث الواردات السلعية كمتوسط عام طوال نصف القرن المنصرم)، اعتمد في معالجته على فائض الميزان الجاري، المكون في معظمه من مجموعة شبه ثابتة من موارد من النقد الأجنبي، غلب عليها الطابع الريعي والميل للتقلب بطبيعة الحال، ومع ذلك فقد اعتمد عليها طويلًا وبكثافة مفرطة حتى اشتهرت بالأربعة الكبار المصرية، وهي: متحصلات الصادرات النفطية وعوائد السياحة ورسوم قناة السويس وتحويلات العاملين بالخارج.

ومن بينها جميعًا احتلت تحويلات العاملين بالخارج مكانةً خاصة، فقد وصلت طوال عقد الثمانينات إلى نحو نصف إجمالي الصادرات المصرية، وما يقارب أربعة أضعاف الاستثمار الأجنبي المباشر وثلث الاستثمار الإجمالي، وأكثر من مرة ونصف المرة المعونات الإنمائية، ونحو ثلثي الادخار المحلي، وما يقرب من نصف الادخار الإجمالي، واليوم بعد أكثر من ثلاثة عقود، لم تتغير الصورة كثيرًا، فعبر العقد الأخير (2013-2021)، تجاوز متوسط التحويلات نصف الصادرات، ونحو أربعة أضعاف الاستثمار الأجنبي المباشر، وأربعة أضعاف إيرادات السياحة، وما يقرب من أربع مرات ونصف المرة إيرادات قناة السويس(7).

وقد لعبت هذه التحويلات، وإلى جانبها الموارد الريعية الأخرى، دورًا يشبه دور الموارد الطبيعية في البلدان الغنية بالموارد الطبيعية، فخلقت بعضًا من أعراض المرض الهولندي في الاقتصاد المصري(8)؛ فعانى من ارتفاع سعر الصرف الحقيقي (الأمر الذي تعزز بربط الجنيه المصري بالدولار الأميركي منذ أوائل التسعينات)، وتراجعت تنافسية الصادرات المصرية، فضلًا عن تعزيز أنشطة التداول والريع والسلع غير الإتجارية على حساب أنشطة الإنتاج والسلع الإتجارية؛ ومن ثم تفاقم العجز التجاري.

من جهة أخرى، أضعفت هذه الموارد الريعية الضغوط لأجل المساءلة السياسية والديموقراطية التمثيلية(9)، كما شوهت ممارسات المالية العامة وعززت الميول المحاسيبية للنظام السياسي كآلية لتكريس استقراره ولتعويض ضعف المشروعية السياسية؛ ما أضعف التطور المؤسسي والإنتاجي للبلد عمومًا، وضخَّم جيوب الفساد العام والخاص.

وحيث تراجع التصنيع منذ الانفتاح، وركد عند مستوى التصنيع الاستهلاكي الأولي دونما تعميق لمستويات أكثر تقدمًا؛ تفاقمت الاعتمادية العينية على استيراد السلع الرأسمالية ومستلزمات الإنتاج من الخارج؛ بما أدى إلى إخضاع التوازن الداخلي (العرض والطلب المحليين) للتوازن الخارجي (إمكانات تمويل الحساب الجاري)؛ بحيث أصبح ميزان المدفوعات ورصيد النقد الأجنبي القيد النهائي على كامل نمو البلد(10)، وبما جعل الدولار الأميركي مقياس القيمة النهائي والحقيقي في الاقتصاد المصري؛ فجذَّر ميلًا كامنًا للدولرة وأضعف فاعلية السياسة النقدية، في اقتصاد تابع محدود الاستقلالية أصلًا.

ولأن الاقتصاد لا يمتلك احتياطيات غزيرة من الموارد الطبيعية القادرة على تمويل عجز خارجي مزمن، بل مجرد موارد متقلبة ومتراجعة كاتجاه عام؛ عانى الاقتصاد، من جهة، من هشاشة مالية وضعته على حافة الإفلاس مع كل أزمة خارجية و/أو اختناق مالي من جهة، ومن جهة أخرى، من اقتطاع حتمي من موارده وانكماش إجباري شبه دوري لناتجه الإجمالي لسداد مديونياته المتراكمة؛ يترجم ضمن ما يترجم بخفض في سعر الصرف كل فترة.

وقد تساوق ذلك مع، وضمن، اختلال أعمق لكامل الديناميات الاقتصادية؛ من تشوه لهياكل الأسعار والأرباح والاستثمار وضعف نمو الإنتاج وتدهور فاعلية السياسات الكلية؛ بما انعكس بمجموعه سلبيًّا على مؤشرات المالية العامة والدَّيْن الحكومي والميزان التجاري والتضخم وسعر الصرف؛ ليخلق حلقة خبيثة من التغذية المتبادلة فيما بينها جميعًا.

وقد عزز من هذه الانحرافات البرامج النيوليبرالية التي اعتمدتها مصر ضمن اتفاقاتها مع صندوق النقد الدولي منذ أواسط السبعينات، والحقيقة أنها ليست استثناءً بأية حال، فحالها يشبه حال أغلب التجارب الاقتصادية العربية غير النفطية، كما رصدها علي القادري في سياق التحولات النيوليبرالية؛ حيث اتخذت تلك السياسات، وأدت إلى، ستة أبعاد ونتائج مترابطة(11): أولًا: فتح حسابات رأس المال وتقليص معدلات الفائدة وأسعار الصرف المتعددة إلى معدل وسعر واحد؛ ما أدى إلى ضعف فاعلية السياسات النقدية كأداة تنموية وفقدان السيادة الوطنية عليها، وثانيًا: تعاظم اللجوء للاقتراض الخارجي، كنتيجة للآثار السلبية لهذه السياسات على موازين مدفوعات الدول العربية الفقيرة نفطيًّا، فكانت النتيجة، ثالثًا، أن ارتفعت علاوة المخاطر ضمن معدلات الفائدة، بسبب مخاطر سعر الصرف ممزوجًة بحالة عدم اليقين بالمنطقة الناجمة عن الحروب، فامتنعت نتاجًا لكل ذلك تدفقات رأس المال وزادت صعوبة تمويل المشروعات الوطنية، فكان رابعًا، أن انخفض الاستثمار العام نتيجةً للسياسات النيوليبرالية ومتطلبات سياسات الاستقرار قصيرة الأجل في الموازنة العامة وميزان المدفوعات، ثم، خامسًا، ضربت الدولرة (أي تفضيل المواطنين حيازة الدولار بدلًا من العملة الوطنية) الصريحة أو الضمنية سوق النقد تدريجيًّا، منتزعةً معها قضمةً ضخمة من السيادة النقدية كنتيجةٍ عامة لتدهور وعدم استقرار العملة الوطنية وإحلال الدولار محلها كمخزن للقيمة، فتراكمت، سادسًا، الآثار الاجتماعية السلبية للتقشف في الأجل القصير، لتدفع لتدهور قوة العمل ورأس المال الاجتماعي في الأجلين القصير والطويل معًا.

إنها دورة خبيثة متكاملة، تبدأ من التخلف الصناعي وفجوة التشغيل، وتتعزز بأمراض ريعية ولبرلة استتباعية تفاقم الاختلالات الكلية وتشوه منظومة الحوافز، لكنها تتجدد ويعاد إنتاجها على مستويات أسوأ، بفعل إطار مؤسسي استبدادي محاسيبي، تابع خارجيًّا وطفيلي داخليًّا، وفي هذا الإطار تتجلى أهمية النموذج السياسي، وكيف تنعكس تناقضاته على سياساته، بشكل يعمِّق الأزمات الكامنة، ويسرع وتائر انفجاراتها.

أزمة النموذج السياسي: تناقضات التمويل والتمثيل والمشروعية

تعاني الاقتصادات شبه الصناعية عمومًا انخفاض متوسط الإنتاجية ومحدودية الفائض الاقتصادي، ومعه الهامش الضريبي الممكن؛ ومن ثم انخفاض سقوف الترضيات الاجتماعية والمناورات السياسية الممكنة؛ بشكل يسمح بمساحة معقولة من التمثيل الاجتماعي دون تهديد استقرار النظام السياسي، فإذا كانت مصابة بشيء من الانحراف الريعي؛ فإنها قد تمارس تلك الترضيات والمناورات بأساليب تقتل الديمقراطية، ولا تبنيها، وأبرز النماذج النظرية لتفسير وتجسيد ذلك المسار، غير المتناقضة جوهريًّا، بل والمتداخلة مفاهيميًّا، هي مداخل الأنظمة المحاسيبية والأنظمة المقيدة.

ويتميز مدخل الأنظمة المقيدة والمفتوحة بمساحة أكبر من التدرج المراعي للتفاصيل، فبينما الأنظمة الديمقراطية المفتوحة واضحة ومحددة كنوع واحد، نجد الأنظمة المقيدة تتراوح ما بين ثلاث درجات، أسوأها الأنظمة المقيدة الهشة، وأوسطها الأنظمة المقيدة الأساسية، وأفضلها حالًا الأنظمة المقيدة الناضجة، والتي تتفاوت من الأولى إلى الأخيرة بحسب درجة تطور المؤسسات إيجابًا والتمايز فيما بينها ومدى وحدة القواعد وهامش التأثير الديمقراطي(12).

عامل إضافي يلعب دورًا مهمًّا في صياغة واستمرار الأنظمة المقيدة، هو الطابع الطَرفي التابع -لأغلبها- في النظام العالمي؛ حيث يؤدي ذلك الموقع أولًا لتسرب القيمة من هذه البلدان؛ بما يُضعف فوائضها الاقتصادية ومعها هوامشها الديمقراطية بدرجة أكبر، وثانيًا باتفاق المصالح ما بين النخب الإمبريالية والمحلية على إدامة الوضع التابع؛ لضرورته لمصالح كلٍّ منهما (بما فيها المتضاربة منها(13))؛ وبما يجعل أي هامش ديمقراطي حقيقي تهديدًا لمثل هذا الترتيب(14).

والناظر في الحالة المصرية يجدها قد تدهورت خلال العقد الأخير من درجة وسطى ما بين الأنظمة المقيدة الأساسية والناضجة، إلى ما يقرب من قاع الأنظمة الناضجة (حتى الآن)، فبينما كانت قد بدأت تمتلك هامشًا ديمقراطيًّا وتعددًا في المؤسسات والشركات، وإن خضعت جميعًا لتأثير السلطة المركزية، فإنها قد مالت مؤخرًا لتراجع هذه التعددية وإخضاع أغلب المؤسسات الاقتصادية، عامة وخاصة، للسلطة الحاكمة، والتركز الشديد للقرار وقتل العملية السياسية والقمع الفوري العنيف لأي معارضة.

هذا التصاعد في القمع يتماشى مع توقعات سامر سليمان في أطروحته الشهيرة عن “النظام القوي والدولة الضعيفة”(15)؛ حيث توقع حتمية اتجاه النظام السياسي المصري لزيادة حدة قمعه لمواجهة تناقضه الحاد، المتمثل في التأزم المالي المتصاعد مع تراجع الموارد الريعية التي قام عليها نظامه المحاسيبي، أي صيغته الخاصة من الأنظمة المقيدة المذكورة.

فمع هذا التأزم المالي المتصاعد، سيضطر النظام لمزيد من الاعتماد على استخلاص الموارد المالية من المجتمع، سواءً من خلال جباية الضرائب أو الاقتراض من الأموال الخاصة عبر البنوك؛ ما سيتطلب عاجلًا أو آجلًا مزيدًا من الشفافية والرقابة والمساءلة، وتعميقًا للعلاقات القانونية والتعاقدية عمومًا؛ بما يعنيه كل ذلك من ضرورة قبول المزيد من المؤسسية والحوكمة والتمثيل السياسي، والتي تتناقض كلها مع بنية ومنطق عمل واستمرار النظام المحاسيبي المقيد؛ ليصطدم الاستبداد المأزوم ماليًّا بمعادلته الصعبة: كيف يزيد موارده المالية (الضريبية بالأساس) مع كبح التمثيل السياسي؟!

ما يفرض هذا التحدي هو محورية الضرائب على الدخل في الأنظمة الضريبية والمالية العامة الحديثة، كأهم وأكبر مصاردها الأكثر استدامةً وكفاءة وعدالة، لكنها في ذات الوقت أكثر الضرائب إثارةً للمقاومة والرفض، وأكثرها إثارةً للمطالب السياسية والديمقراطية، خصوصًا مع كونها أصعب الضرائب تحصيلًا؛ نظرًا لمحدودية شفافية الدخول بالمقارنة بالنوعين الآخرين من أوعية الضرائب، أوعية الملكية (ضرائب العقارات) وأوعية الإنفاق (ضرائب المبيعات والقيمة المضافة)؛ ما يجعلها أكثر الضرائب تطلبًا لحدٍّ أدنى من القبول والتوافق بين المجتمع والدولة(16).

وبشكل عام، لا تلقى محاولة الدولة توسيع قاعدتها الضريبية، دون توسيع مشاركة المواطنين في صنع القرارات، ودون استخدام النظام الضريبي لتقليص عدم المساواة الاجتماعية والسياسية، قبولًا من المواطنين، بل يُنظر لها باعتبارها انتهاكًا غير مشروع؛ يرفع احتمالات التمرد والاضطراب السياسي(17).

وقد رصد سليمان اعتماد نظام الرئيس الأسبق، حسني مبارك، على العديد من الآليات لمواجهة ذلك التحدي المالي(18)، قبل اللجوء لإصلاح نظام الضرائب على الدخل، أبرزها ضريبة التضخم، والاستدانة الخارجية ثم الداخلية، والضرائب على المبيعات، كذا الآليات العديدة التي تفاوتت نجاحًا وتعثرًا، كمحاولة فرض ضرائب على العاملين بالخارج أو فرض التوريد الإجباري للعملة الصعبة، واللجوء للتبرعات والدور الاجتماعي لرجال الأعمال، ومحاولة تنظيم القطاع غير الرسمي.

وكما نرى، فمن بين هذه الآليات التي غلب عليها التعثر، تكررت دعاوى حديثة بممارسات مشابهة لها في عهد السيسي، ونُفِّذ بعضها فعلًا، كتبرعات صندوق تحيا مصر، وقوانين الشمول المالي، وكل المبادرات المتعلقة بالعاملين بالخارج، بل وتعامل بعض الهيئات الاقتصادية المحلية بالعملة الصعبة (الدولار تحديدًا) في بيع منتجاتها، ولا ننسى الزيادات الكبيرة في الرسوم على الخدمات الحكومية المختلفة، بل واستحداث الكثير منها.

مع ذلك، فمع حدة التأزم المالي، لجأ النظام السياسي بقدر من النجاح لمضاعفة الإيرادات الضريبية -وإن كانت غير المباشرة بالأساس- بالتوازي مع قمع حاد للتمثيل السياسي؛ مستغلًّا الوضع السياسي بعد 30 يونيو/حزيران، والشعبية الكبيرة للسلطة الجديدة وقتها، وتحت غطاء الاضطرارات المدَّعاة لبرامج صندوق النقد الدولي؛ فكان القمع المفرط هو الحل قصير الأجل للمعادلة الصعبة، التي ازدادت صعوبةً مع متطلباته المحاسيبية المتزايدة.

كان النظام الحاكم قد واجه بعد فترة الاضطراب الناتجة عن ثورة يناير/كانون الثاني وتوابعها، حاجة ماسَّة لإعادة ترسيخ أقدامه بإعادة بناء وهيكلة شبكاته المحاسيبية، خصوصًا مع عودة المكون العسكري لواجهة المشهد السياسي بشكل مباشر وصريح، خلافًا للموقف مختلط الروافد أواخر عهد مبارك؛ ما انعكس في زيادة حصة المؤسسات البيروقراطية في النشاط الاقتصادي، بأشكال تراوحت ما بين العلنية والسرية الصريحة، والرمادية الملتوية ما بين هذه وتلك.

وهكذا دخل النظام السياسي في حلقة خبيثة، يتطلب فيها نجاح القمع تعزيزًا للدوائر المحاسيبية، بينما يؤدي تعزيز الدوائر المحاسيبية، بكافة تكاليفها المباشرة (من خلق وتوزيع متزايد للريوع) وغير المباشرة (من انتهاك للمجال الاقتصادي وتراجع للكفاءة العامة ومنظومة الحوافز)، إلى مزيد من تدهور الموقف الاقتصادي والمالي والمؤسسي؛ الذي يستلزم بدوره مزيدًا من القمع لحفظ الاستقرار السياسي، ومزيدًا من الجباية لمواجهة التأزم المالي؛ ما يؤدي بمجموعه لمزيد من تدهور المشروعية السياسية والفاعلية التنموية للنظام، وتفاقمًا لعزلته الاجتماعية التي تدفع بدورها لمزيد من القمع، الذي يؤثر بحد ذاته سلبًا على الاقتصاد والموارد(19) ليعيد الدورة كلها، وهكذا دواليك.

دفع المجتمع ثمن ذلك النموذج السياسي مرتين، مرة بالتكلفة المباشرة لتعزيز القمع، ممثلةً في إعادة بناء المحاسيبية وتوسع الفساد وتضخم الجيوب الريعية، ومرة أخرى بالتكلفة غير المباشرة الناتجة عن الانعكاسات السلبية للقمع والمحاسيبية والفساد على كفاءة الاقتصاد العامة، لكن في حدود موضوع الورقة، نركز على كيفية انعكاس ذلك النموذج في، وعبر، ما اتخذه من مناورات ملتوية لمعالجة العجز المالي على أهم محددات سعر صرف الجنيه المصري. كذلك كيف انعكس في، وعبر، ما اتخذه من مناورات مكلفة لمعالجة إشكالية المشروعية على اتجاهات الأداء الاقتصادي.

الجباية غير الطوعية: المناورات الملتوية لتناقض التمويل والتمثيل

اضطرت الحكومة متزايدة العجز المالي، والعاجزة في ذات الوقت عن اكتساب القبول الشعبي لتقديم مزيد من الإيرادات العامة (مقابل تحملها تمثيل سياسي أكبر)، إلى التوسع في الآليات سالفة الذكر، التي يتسم بعضها بقدر أكبر من عدم الطوعية، خصوصًا الاستدانة والتضخم(20).

وبشكل ما، يمكن اعتبار الاستدانة والتضخم وجهين لعملة واحدة، فبينما الاستدانة حصول على موارد من الآخرين في الحاضر وسدادها لهم مع تكلفتها الزمنية في المستقبل، فالتضخم هو استدانة من المستقبل، أو بصيغة أكثر تحديدًا، هو نتاج ومظهر لاستدانة في الماضي من حاضر أو من مستقبل قد حلَّ، ممثِّلًا تكلفة موارد استُهلكت مسبقًا قبل إنتاج مقابلها الفعلي محليًّا؛ بما ينعكس في انخفاض القوة الشرائية الحالية للعملة الوطنية؛ كخصم حقيقي لهذه التكلفة في صورة نقدية (بالخفض من قيمة النقد الوطني) لا مالية (أي كمدفوعات مالية من مدين محدد إلى دائن محدد)، حتى إنها توصف بأنها ضريبة على النقد نفسه(21).

ولعل هذه السمة الأخيرة هي سبب وصف التضخم كضريبة عشوائية؛ كونها تصيب الجميع دون تمييز؛ فنظريًّا تحمِّلهم أعباء الاستدانة بالتساوي، فيما عمليًّا تحمِّل الفقراء حصصًا أكبر غالبًا؛ كون التضخم يصيب السلع الأساسية والأجرية عادةً بنسب أكبر من نظيرتها الكمالية، ولتأثيرها النسبي الأعلى على دخولهم المنخفضة، لكنها تظل محبذة للحكومات عمومًا، كما يرى سليمان(22)؛ لكونها شائعة اجتماعيًّا؛ فتصعب مقاومتها سياسيًّا، فضلًا عن كونها خفية ضريبيًّا؛ بالنظر لعدم فرضها بشكل قانوني صريح، كما يمكن التملص الحكومي منها بإلقاء اللوم على آخرين كجشع التجار والتضخم المستورد والأزمات الدولية وما شابه (وكلها دعاوى ثابتة لدى الحكومات المصرية المتعاقبة)؛ ما تكون نتيجته بالمجمل انخفاض تكلفتها السياسية نسبيًّا في الأجل القصير.

وعلى المستوى المالي، يخفض التضخم العبء الحقيقي لالتزامات الحكومة من الدَّيْن العام المحلي؛ فيحسن مؤشراتها المالية جزئيًّا، بما يسهِّل لها الاستمرار بمزيد من الاقتراض المحلي، خصوصًا من الفئات العاجزة عن التحوط بأدوات استثمارية بديلة لشهادات العوائد البنكية (وأغلبها من أصحاب المعاشات والمحتاجين لدخول دورية ثابتة من مدخراتهم القليلة).

وقد شجَّع هذا الحكومةَ المصرية على الإفراط في استخدام ضريبة التضخم منذ أواسط الثمانينات، حتى وصفها تقرير للبنك الدولي بأنها من أكثر دول العالم اعتمادًا على ضريبة التضخم، مقدرًا بلوغها حوالي 11% من الناتج المحلي الإجمالي عام 1987، مقابل 17% من الناتج لإجمالي الإيرادات الضريبية التقليدية في نفس العام(23)، بل وتجاوز متوسطها السنوي 4% من الناتج الإجمالي طوال الفترة 1975-1991، بلغ خلالها المتوسط السنوي للتضخم حوالي 18%(24).

وقد استمرت الحكومة بالتوسع في الإصدار النقدي المفرط طوال العقدين الأخيرين بمعدلات متسارعة، يتجلى هذا التسارع بالمقارنة بين شطري الفترة منذ بداية الألفية؛ بما يعكس تفاقم الأزمة المالية وزيادة اعتماد الحكومة على ضريبة التضخم، فكما يظهر بالشكل (1) بتاليه، نمى المعروض النقدي M0 من العملة الوطنية بكافة فئاتها، من 70.4 مليار جنيه في فبراير/شباط 2001 إلى 276 مليار جنيه في فبراير/شباط 2013، بنسبة نمو 292% خلال الاثني عشر عامًا الأولى من الفترة، فيما نمت إلى 1709 مليارات في فبراير/شباط 2024، بنسبة نمو 519% خلال الاثني عشر عامًا الثانية من الفترة.

شكل (1): المعروض النقدي M0 خلال الفترة 2001-2024(25)

ولم يختلف السلوك بالطبع على نطاقات القاعدة النقدية المختلفة، فقد نمت القاعدة النقدية بمعناها الضيقM1  من 33.6 مليار جنيه في مارس/آذار 1996 إلى 2528 مليار جنيه في فبراير/شباط 2024، متضاعفةً بأكثر من 74 مرة خلال ما يقرب من ثلاثين عامًا(26)، بما يعكس قِدم وثبات هذه الممارسة لدى المركزي المصري الخاضع كليًّا لمتطلبات الحكومة المالية، بل وتصاعد الاستخدام النظامي لضريبة التضخم كآلية تمويل ثابتة لدى الحكومة المصرية.

وبالانتقال إلى القاعدة النقدية بمعناها الواسع M2، مع التركيز على مدى زمني أقرب، فقد نمت من حوالي 1.92 تريليون جنيه في فبراير/شباط 2016 إلى 9.12 تريليونات جنيه في فبراير/شباط 2024، بمعدل نمو إجمالي 375% خلال تسع سنوات، كما يظهر بالشكل (2) التالي.

شكل (2): القاعدة النقدية بمعناها الواسع M2 خلال الفترة 1996-2024(27)

ويُظهر الشكل مرة أخرى، تكرار وتعمق ذات النمط على مستوى العقد الأخير وحده، من تسارع نمو السيولة النقدية مع الزمن، كما يظهر بتسارع نموها منذ تعويم 2016 بالمقارنة بنموها بالفترة السابقة عليه؛ بما يعكس تزاوج التأزم في الموقف المالي مع انعكاسات التدهور في سعر صرف الجنيه، فبلغ متوسط معدل نمو السيولة المحلية 21.9% سنويًّا خلال الفترة 2017-2023، مقارنةً بمتوسط 15.8% سنويًّا خلال الفترة 2010-2016، بزيادة بنسبة 38.6% بين الفترتين(28).

من جهة أخرى، فالاستدانة والتضخم مرتبطان، فالاستدانة الداخلية عادةً ما تسدد لاحقًا -جزئيًّا على الأقل- بطباعة نقد جديد، كما تمثل بذاتها تمويلًا مكلفًا بما تتضمنه من خدمة للديون، فيما الاستدانة الخارجية يجري تعقيم واردها من نقد أجنبي يدخل الجهاز المصري بطباعة نقد وطني مقابله للتداول في الاقتصاد المحلي؛ ما يسهم بمجموعه، حال لم توظف الموارد في استخدامات إنتاجية -فورية إن أمكن- تزيد المعروض المحلي من السلع والخدمات، في خلق مزيد من التضخم في الاقتصاد.

وعلى هذا الصعيد، فقد أفرطت الحكومة المصرية بالاستدانة، داخليًّا وخارجيًّا، طوال عدة عقود الماضية، مع تراوح في درجة الاعتماد بينهما. من جانبه، أدرك نظام مبارك مخاطر الإفراط بالاستدانة الخارجية بتجربته طوال الثمانينات التي كادت مصر تفلس بنهايتها، لولا الإنقاذ بإلغاء نصف الديون وجدولة نصفها الآخر كثمن لمشاركتها في حرب الخليج الثانية 1990، واستدار للاعتماد على الاستدانة الداخلية بالأساس طوال العقدين الباقيين من عهده. ومن ناحيته، نسخ نظام السيسي في عقده المنصرم عقد الثمانينات المباركي بالإفراط في الاستدانة الخارجية، مستهلكًا أغلب القروض في بنية تحتية ومشاريع قومية بعضها مشكوك في جدواه وبعضه بعيد العوائد بأفضل الأحوال، أي لم ينعكس بشكل مباشر في نمو الإنتاج أو الاستثمار المحلي، مما سنتناوله في موضعه.

لهذا نما الدين العام المحلي دون توقف؛ مع تراكم العجز المالي المزمن، ومع ما يرتبه الانخفاض المستمر للجنيه من تضخم لكافة عناصر الإنفاق العام بالموازنة، وعلى رأسها خدمة الدين العام الخارجي (وبالتالي نموها بالأرقام المطلقة حتى لو انخفض بعضها بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي) من جهة، ومن انخفاض للعبء الحقيقي للدَّيْن المحلي على الحكومة (ومن ثم قدرتها على الاستمرار بالاستدانة دون تدهور كبير بالمؤشرات المالية) من جهة أخرى. وهكذا يستمر الدين العام المحلي بالنمو بالتغذية الذاتية للمديونية نفسها في ظل العجز المالي المزمن، وفي سياق علاقتها بما تنتجه من تضخم وضغط ائتماني يفرضان رفع أسعار الفائدة؛ فيزيد أعباء خدمة الدين، ويُظهر الشكل (3) التالي الذي ينتهي بعام 2020، الاتجاه العام للدَّيْن العام المحلي طوال العقدين الأخيرين.

شكل (3): الدَّيْن العام المحلي لمصر خلال الفترة 1998-2020(29)

وقد استمر الدين العام المحلي بالنمو إلى 5.4 تريليونات جنيه في يونيو/حزيران 2022(30)، ثم 6.86 تريليونات جنيه في الربع الأول من 2023(31)، مؤكدًا الاتجاه التصاعدي بالأرقام المطلقة، وإن كان اتجاهه بالقيم النسبية، قد أبدى تذبذبًا واضحًا، بما شمل تراجعًا في نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي من 72.8% عام 2017/2018 إلى 63.4% منه عام 2019/2020، ليعاود الارتفاع إلى 68.1% منه عام 2021/2022، مستعيدًا نسب نموه المعتادة لاحقًا حول معدل 15% سنويًّا، بعد الهبوط الاستثنائي إلى معدل 3% فقط من الناتج الإجمالي في عام الكورونا(32).

أما الدَّيْن العام الخارجي، فقد عاد للنمو بعد حالة شبه الاستقرار التي استمر عليها لعقدين ونصف تقريبًا، منذ أوائل التسعينات إلى أوائل عام 2015، لينمو من حوالي 40 مليار دولار في الربع الأول من 2015 إلى 168 مليار دولار بنهاية 2023(33)، كما يظهر بالشكل (4) التالي، بنمو إجمالي بنسبة 320% خلال ما يقرب من تسعة أعوام فقط، أو بمتوسط نمو سنوي 35.5%.

شكل (4): الدَّيْن العام الخارجي لمصر خلال الفترة 1998-2023(34)

انعكس هذا في تضاعف نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي عبر مجمل العقد الأخير، مرتفعًا من 15% فقط من الناتج الإجمالي أوائل عام 2016 إلى حوالي 37% منه بحلول عام 2018، ليتراجع قليلًا إلى متوسط 33% منه تقريبًا حتى أوائل عام 2022، حسب البيانات الرسمية المتاحة، وكما يظهر بالشكل (5) التالي، والتي لم تترجم بعد الانخفاضات الكبيرة في الناتج المحلي الإجمالي بالدولار، الناتجة عن انخفاض الجنيه مقابل الدولار من حوالي 16 جنيهًا إلى 47 جنيهًا للدولار عبر ثلاثة تعويمات كبيرة خلال العامين الأخيرين؛ بما يعنيه ذلك من ارتفاعات لنسبة الدين الخارجي إلى الناتج الإجمالي.

شكل (5): نسبة الدَّيْن الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة 2000-2022(35)

ولابد من الإشارة هنا إلى ملاحظة أولية (ذات دلالة على طبيعة النمو بالمديونية) بخصوص سلوك النسبة ما بين الدين الخارجي والناتج المحلي الإجمالي، أظهرت تسارعًا كبيرًا في العقد الأخير خصوصًا، هي وجود نوع من الدورية في العلاقة بينهما ارتفاعًا وانخفاضًا؛ حيث يؤدي توظيف القروض في الاقتصاد لنمو فوري في الناتج الإجمالي، فيما يؤدي سدادها لاحقًا مع حلول آجال استحقاق أقساط أغلبها إلى اقتطاع أغلب ذلك النمو، في صورة تدفقات للخارج، تنعكس غالبًا في صورة أزمات دولارية باحتياطيات النقد الأجنبي؛ تنتج سوقًا سوداء وفجوة بين السعرين، السوقي والرسمي، للدولار، ما يُعالَج عادةً باقتراض جديد، وبرامج جديدة غالبًا مع صندوق النقد الدولي، وتخفيضات رسمية جديدة لسعر صرف الجنيه.

وقد أسهم هذا الإفراط في الاقتراض الخارجي؛ بما ضخه في الاقتصاد من تدفقات ضخمة من النقد الأجنبي، في زيادة المعروض من النقد المحلي، عبر قنوات الطباعة وغيرها؛ بما يمثل من رافد مباشر للتضخم، فضلًا عن دور ذلك الاقتراض الخارجي الأساسي في التدهور الكبير لاحقًا في الموقف التمويلي والائتماني للاقتصاد المصري، وضغطه على سعر صرف الجنيه، في سياق سوء التوظيفات الاستثمارية، وما طرأ عالميًّا وإقليميًّا من أزمات اقتصادية واضطرابات سياسية، إلى آخر القصة المعروفة التي ما زلنا لم نخرج من تبعاتها بعد.

وكانت النتيجة المنطقية لهذا التوليف من السياسات المالية والنقدية، وتضخم الدَّيْن العام بشقيه، أن تضخمت مدفوعات الفوائد بالموازنة العامة، حتى بلغت في المتوسط ثلث المصروفات العامة، وما يقرب من نصف الإيرادات العامة، وثلثي الإيرادات الضريبية، وبالعموم، أصبحت أكبر بنود الموازنة العامة وأسرعها نموًّا خلال العقد الأخير، كما يظهر بالأشكال (6) و(7) و(8) التالية.

شكل (6): نسبة مدفوعات الفوائد من المصروفات العامة في موازنات الفترة 2014-2023(36)

شكل (7): نسبة مدفوعات الفوائد إلى الإيرادات العامة والإيرادات الضريبية في موازنات الفترة 2014-2023(37)

شكل (8): ملخص فعليات الموازنة العامة المصرية خلال الفترة 20102022(38)

هذا النمو الخَطِر في مدفوعات الفوائد لا يعكس مجرد فشل تقني للسياسة المالية، بل يعبِّر كذلك عن الاختيارات الأسهل للحكومة في مواجهة عجزها المالي وما وراءه من إشكالات وانحيازات اجتماعية وسياسية معقدة؛ فيبدو أن شراء الوقت وترحيل الأزمات، ولو بتضخيمها مستقبلًا، أضمن سياسيًّا من محاولة الوصول لمصارحة شفافة وتسوية عادلة مع المجتمع على صياغة جديدة لإدارة إيرادات ومصروفات الموازنة العامة والرقابة عليها، كذا يبدو أسهل تقنيًّا وإداريًّا من مواجهة ضعف الكفاءة البيروقراطية وجيوب الفساد والمحاسيبية المتربحة من المال العام، خصوصًا تلك الجيوب التي تنمو على تخوم الاستثمارات العامة، وتكتسب وجودها الخاص كشبكات مصالح مستقلة، تدفع لاستمرار أنماط إنفاق واستثمار محدودة الجدوى العامة؛ بما يفسر جزءًا من المشروعات قليلة الأولوية في السياق المصري الحالي، ناهيك عن التي ثبتت محدودية فائدتها في أفضل الأحوال، ولا نقول ضررها حسب بعض الآراء، كمشروع تبطين الترع والقنوات المائية(39).

فهذا النمو غير الرشيد في الإنفاق والاستثمار العام هو ما يفسر استمرار العجز المالي، رغم تقليص مدفوعات الدعم والأجور والتعليم والصحة بالقيم الحقيقية، بالتوازي مع زيادة الإيرادات العامة بضرائب جديدة كالقيمة المضافة وغيرها ومضاعفة الرسوم الحكومية عدة مرات وخلافه، كما يظهر بالشكل (9) التالي؛ حيث استمرت النفقات العامة بتجاوز الإيرادات العامة، ليس فقط كقيم مطلقة، بل وكقيم نسبية ووتيرة نمو، كما يظهر بالشكل (10) بتاليه.

شكل (9): الإيرادات الضريبية ومصروفات الدعم خلال الفترة 2006-2021(40)

شكل (10): الإيرادات العامة والنفقات العامة خلال الفترة 2006-2021(41)

وخطورة كل ما سبق من تجاوز مالي لقدرات الاقتصاد، يؤثر سلبًا على الادخار الطوعي والاستثمار الإنتاجي، والمتضمن خصوصًا لقدر معتبر من الجباية غير الطوعية، هو أنه بخلقهِ لحلقة خبيثة من المديونية والتضخم وارتفاع تكلفة الائتمان، يؤدي لحالة من الركود التضخمي على مستوى كامل الاقتصاد تعمق المشكلات الإنتاجية والمالية والنقدية، وتقتل ما تبقى من فاعلية للسياسات الاقتصادية التقليدية، المتعلقة في معظمها بإدارة الطلب، من سياسات مالية ونقدية محدودة الفاعلية أساسًا في سياق الاقتصاد المصري لأسباب هيكلية؛ ما يؤدي بمجموعه إلى حكومة تزداد عجزًا؛ فقمعًا وجباية، وإلى ثقةً تزداد انهيارًا؛ فهروبًا ومضاربة!

بوندوجلات الجمهورية الجديدة(42): المناورات المكلفة لتناقض التمثيل والمشروعية

لزيادة الأمر تعقيدًا، دخلت الدولة، بعد 30 يونيو/حزيران 2013، في سلسلة من المشروعات القومية الكبرى، كان كثير منها إما محدود الجدوى الاقتصادية أو سيء التنفيذ في أحسن الأحوال، مما يدخل فيما يُعرف عمومًا بالأفيال البيضاء، وإن كان بعضها أسوأ بمحورية الدوافع السياسية فيه.

وكان فاتحة هذه المشروعات مشروع تفريعة قناة السويس التي افتُتحت في أغسطس/آب 2015، والذي جرى تنفيذه باستعجال غير ضروري رفع تكاليفه، ودون دراسات جدوى حقيقية كانت ستُظهر أن القناة تعمل بأقل من ثلثي طاقتها بالفعل، وأن العالم يعاني تراجعًا في التجارة الدولية منذ الأزمة المالية العالمية 2008، وهو ما تجلى في عدم انعكاسها بأي زيادة معنوية في إيرادات القناة، ليصرح الرئيس السيسي، في يونيو/حزيران 2016، بأن الهدف الأساسي من المشروع، الذي تكلف حوالي ستين مليار جنيه، أو ما يعادل ثمانية مليارات دولار بأسعار وقتها، كان رفع معنويات الشعب المصري، وليس المنافع الاقتصادية.

أما أبرز تلك المشروعات ودرة تاجها فهو بلا شك العاصمة الإدارية الجديدة، التي تتجه بعض الآراء لكونها مشروعًا سياسيًّا أساسًا لضمان عدم تكرار خبرة ثورة 25 يناير/كانون الثاني؛ بإبعاد كافة أجهزة الدولة الحيوية عن مراكز الكتل الحضرية التي يمكن أن تقود احتجاجات أو تشعل ثورات، يمكن أن تشل الدولة وتجبرها على أي تفاوض أو تنازل(43).

وبعيدًا عن هذه الافتراضات المثيرة للجدل التي يصعب إثباتها بشكل قطعي، فالمؤكد بشكل لا يحتمل الجدل أن العاصمة الإدارية الجديدة تمثل بوندوجل الجمهورية الجديدة الأكبر، من جهة كونها ذروة الأسطورة المكلفة المتمثلة في تقاطع هدف التوسع العمراني مع هدف جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وهي ذروة أسطورة مكلفة لأنها مجرد تكرار عملاق لما كانت مصر تفعله عبر عقود، كإستراتيجية تنمية قائمة بشكل شبه حصري على تطوير البنية التحتية، لكن على مستوى أضخم بكثير، وبافتراض غريب بأن تكرار ما لم ينجح سابقًا على نطاق أكبر حاليًّا قد يغير النتائج.

فلمصر تجارب عديدة فاشلة في التوسع العمراني طوال ما يقرب من نصف قرن، والذي فشل كامتداد لركود تحضرها (المرتبط بركود تصنيعها)، منذ تراجع عن ذروته عند نسبة 44% من السكان ما بين سبعينات وثمانينات القرن الماضي، مستقرًّا عند نسبة 43% منذ أوائل التسعينات حتى اليوم (منخفضًا عن المتوسط العالمي البالغ حاليًّا 57%)(44).

وهكذا ظلت أغلب المدن الجديدة التي بنتها الحكومات المصرية المتتابعة منذ أواسط السبعينات خاوية أو شبه خاوية؛ نتيجة لغياب فرص العمل والحياة المستقرة بها، لتتراوح نسب نجاحها في تحقيق مستهدفاتها ما بين 3 و27% فقط وفقًا لأحد التقديرات(45)، وبمتوسط عام لم يصل إلى 10%. وفي تقدير آخر، نجد حتى أقدم وأنجح المدن الجديدة التي جاوز عمرها الربع قرن، مثل مدن العاشر من رمضان و15 مايو و6 أكتوبر والعبور والسادات، لم يتجاوز أفضلها، أول ثلاثة مدن، 31.9% و44% و14.2% على التوالي، فيما لم تحقق الأخيرتان حتى 1% من مستهدفاتها(46).

يعطينا هذا فكرة أولية عن مدى احتمال نجاح العاصمة الإدارية الجديدة(47)؛ الأمر الذي يزداد سوءًا مع تكلفتها الهائلة بالنسبة لوضع مصر المالي، فقد وصلت التقديرات الرسمية لتكلفتها ما بين 58 و60 مليار دولار(48)، ارتفاعًا من 45 مليار دولار كتقدير أول وقت الإعلان عن المشروع(49)، بفارق تقدير هائل يصل إلى متوسط 30%، يكشف بحد ذاته عن مدى سوء التخطيط والتقدير، وربما ما هو أسوأ من جهة الخطر المعنوي وسوء التنفيذ.

والواقع أنه يصعب بالفعل تفسير مثل هذه المشاريع بالمنطق الاقتصادي الصِّرف، رغم أنها جزء من إستراتيجية تنموية محددة ترتكز أساسًا على تطوير البنية التحتية(50)، وهى الإستراتيجية التي تتوافق حصرًا مع برامج المنظمات الاقتصادية الدولية وعلى رأسها صندوق النقد، لكنها تناسب كذلك طبيعة النظام السياسي من جهتين.

أولاهما: كجزء من إستراتيجية تنمية استعراضية تقوم على المشروعات القومية العملاقة، التي تصلح لخطاب الإنجازات مفرط الاستخدام في بروباغندا الجمهورية الجديدة، وهى إستراتيجية سياسية كلاسيكية تجد صورتها الواعية الأولى في التاريخ الحديث عند النازيين قبل الحرب العالمية الثانية، بتوظيف المشروعات القومية كسياسة دعائية ورأسمال سياسي أكثر منها نجاحًا اقتصاديًّا حقيقيًّا(51)، والتي اعتبرها البعض إحدى الروافع الأساسية لتعاظم شعبية هتلر وتعزيز استقرار نظامه، كذا أحد التطبيقات الأولية المبكرة للسياسات الكينزية في مواجهة الركود؛ بما يخلق معدلات نمو سريعة (تفسر الارتفاعات الهائلة بالناتج المحلي الإجمالي في الأعوام اللاحقة)، وإن كانت غير مستدامة غالبًا (كما حدث فعليًّا بضغط أعباء المديونية وأثرها على سعر الصرف وما أنتجه من انكماش فوري في الناتج الإجمالي بالدولار عامي 2017 و2023).

ثانيتهما: بما تخلقه من مشروعات فرعية تصلح لتوزيع المنافع وتحويل الموارد العامة إلى شبكات محاسيب النظام السياسي؛ ومن ثم تعزيز دوائره الاقتصادية والاجتماعية، بما يشمله ذلك من خفض التوترات الداخلية بين هذه الدوائر وترسيخ ولائها للنظام؛ ومن ثم ضمان صلابته السياسية والأمنية في مواجهة خصومه السياسيين والدوائر الاجتماعية الأوسع المتضررة منه، في الأجلين، القصير والمتوسط، على الأقل.

لا تتوقف المشكلة عند هذا الحد، بل تؤدي هذه الإستراتيجية الـ”تنموسياسية”، إن جاز التعبير، بما يرتبط بها من نمط إنفاق عام، إلى نمو لوبيات متداخلة من البيروقراطية ورأس المال الخاص، متمركزة في القطاعات ذات الصلة كالتشييد والعقار…إلخ(52)، تستفيد من توجيه الإنفاق العام لهذه الوجهة، وتضغط لاستمراره ونموه إن أمكن؛ ومن ثم بروز ميل لتضخم إجمالي التخصيصات الإنفاقية الموجهة لهذا النوع من المشروعات بالعموم، بعيدًا عن حسابات الكفاءة الداخلية والخارجية، أي بغض النظر عن مدى جدواها الاقتصادية أو أولويتها الاجتماعية؛ ما يعني انطلاق تخصيصات جانب من الإنفاق العام من مصالح بيروقراطية وليس المصلحة الاجتماعية العامة، وبالطبع يصبح الجزء غير الضروري منه إهدارًا صافيًا للموارد، وتحويلًا لها من العام إلى الخاص، كما يتضمن بالطبع قدرًا من الفساد.

وما يؤكد تعارض هذا النمط التنموي المتمحور حول البنية التحتية مع الحاجات الحقيقية لتطور الاقتصاد المصري حاليًّا، هو تعميقه للانحياز العقاري الكامن في ذلك الاقتصاد، الذي يعاني بالفعل ورمًا عقاريًّا حقيقيًّا (يأتي على حساب ما عداه من قطاعات أكثر جدوى وإنتاجية(53)) بعد أكثر من عقدين من اتباع هذا النمط، الذي أسهم في النمو الانفجاري لقطاعي التشييد والبناء والأنشطة العقارية بنسب 225% و952% على التوالي خلال الفترة 2010-2017(54).

يعني ذلك تعارض ما يفترض كونه نموذجًا تنمويًّا مع الحاجات التنموية الأكثر إلحاحًا لمصر، بل ومع خطاب الحكومة المتكرر نفسه عن توطين الصناعة وتشجيع الإنتاج، فيما تدمن الحكومة فعليًّا أنشطة الريع وتعمل تاجرًا وسمسار أراض؛ انطلاقًا من الأزمة المالية الخانقة من جهة، وضغوط لوبيات المحاسيب التي أصبحت بيروقراطية القيادة مؤخرًا من جهة أخرى.

وهكذا، فمشكلة السياسة التنموية المصرية ليست فكرية تتعلق بالخلل في مفهوم الإنجاز، ولا حتى في ضعف الوعي بأهمية دراسات الجدوى، التي ليست سوى مجرد أعراض للمشكلة، وبالأحرى تعمية متعمدة عليها، بل تكمن أساسًا في طريقة استجابة الطبيعة الاستبدادية المحاسيبية للنظام الحاكم في مواجهة ما تسهم في مفاقمته من ركود هيكلي لاقتصاد شبه صناعي تابع عاجز عن خلق نمو ذاتي مستدام؛ والتي يدفعها -بطبيعتها الطاردة للاستثمار ذاتها- لإدمان الريع بأنشطته وقطاعاته كنمط تراكم خاص وتمويل عام من جهة، ولتضخيم الإنفاق العام باستمرار لتوليد الريع والحفاظ على دوائر الولاء وترضيات الاستقرار السياسي والأمني من جهة أخرى.

لا عجب في تزامن تضخم الموازنة العامة، رغم التأزم المالي الشديد، مع تراجع المؤسسية الحكومية وضعف الرقابة على المال العام، كتراجع عمل مبدأ “وحدة الموازنة”، قدس أقداس المالية العامة الحديثة، بتكاثر أعداد ونمو أحجام الصناديق الخاصة(55) التي تتبادل بعض أموالها -في أحسن الأحوال- مع الموازنة العامة كإجماليات(56) دون تفصيل(57)، والتي تجاوزت بمجموعها حجم الموازنة العامة نفسها(58)، وكإضعاف شفافية ونزاهة أنظمة المناقصات والمزايدات بالسماح بتخصيص المشروعات العامة بالأمر المباشر(59) بعيدًا عن الآليات المؤسسية التقليدية(60)، فضلًا عن مجمل المناخ الداعم لتفشي الفساد من قمع لحرية الصحافة ومنع لعلنية المحاكمات وأغلب جلسات البرلمان وغيرها، مع الإجراءات بالغة الدلالة من عفو صحي عن بعض كبار القتلة والفاسدين، مقابل حبس رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات -أكبر جهاز رقابي في البلد- المستشار هشام جنينة، بتهمة نشر أخبار كاذبة وإعفائه من منصبه لاحقًا؛ لمجرد نشره تقريرًا عن حجم الفساد في مصر!

تزامن ذلك وتماشى مع ما لخصه مشروع العدالة العالمية التابع للبنك الدولي عن الوضع منذ أواخر عام 2014، من نجاح أصحاب النفوذ في مصر على مدى سنوات في بناء شبكات من أصحاب المصالح في القطاع الحكومي والقضاء والجيش والشرطة وبعض من القطاع الخاص المستفيد من العقود العامة، وقد استفادوا ومعارفهم من ممارسات السعي للريع، ولم تسمح البيئة المؤسسية التي نموا فيها سوى بقليل من الشفافية والوصول للمعلومات، إن لم ينعدم ذلك تمامًا؛ فسادت التقديرات الفردية حتى فيما يتعلق بالقرارات البيروقراطية الصغيرة(61).

وكأثر تخصيصي آخر، وبدفع من الحصص السوقية والاستثمارية المضمونة في سياق المحاسيبية والهيمنة الاستئثارية المغلقة على القرار العام، ترافق هذا الميل للتوسع في الاستثمار العام، وتضخم الموازنة العامة، مع نمو الحصة الحكومية من الائتمان المصرفي، فقد نما الائتمان الممنوح للحكومة والقطاع العام من حوالي 65.12% من إجمالي الائتمان بالعملة المحلية عام 2017 إلى 67.78% منه عام 2023،  بينما تراجع الائتمان الممنوح لقطاع الأعمال الخاص من 23% إلى 20.82% منه خلال نفس الفترة، فيما يظهر تحول دفة الائتمان بوضوح أكبر بكثير على جبهة الائتمان بالعملات الأجنبية؛ حيث نما الائتمان الممنوح للحكومة والقطاع العام من 66.5% منه عام 2017 إلى 79.4% منه عام 2023، مقابل تراجع الائتمان الممنوح بالعملات الأجنبية للقطاع الخاص من 29.8% إلى 17.8% فقط منه خلال نفس الفترة(62)؛ لينمو إجمالي الائتمان الممنوح للحكومة والقطاع العام بشقيه، بالعملة الوطنية والعملات الأخرى، من 65.6% من إجماليه عام 2017 إلى 70.7% منه عام 2023، مقابل تراجع نظيره للقطاع الخاص من 25.3% من إجمالي الائتمان إلى 20% منه خلال الفترة نفسها.

وقد فاقمت هذه الاتجاهات المالية والائتمانية التي تقودها الحكومة، متضافرةً مع تدهور السياق الاقتصادي والمؤسسي الأوسع، من اتجاهات تراجع الادخار الطوعي والاستثمار الإنتاجي، فانخفضت الاستثمارات الخاصة من متوسطها حوال 15% من الناتج المحلي الإجمالي طوال الفترة 1989-2008، إلى 10% في 2011، ثم 7% في 2014، لتصل إلى 2% فقط من الناتج الإجمالي عام 2021، كما يبين الشكل (11) التالي؛ ما يعكس ما سلفت الإشارة إليه من وهمية معدلات نمو الناتج القائمة على تدفقات الديون من جهة، ومن تزايد اتجاهات الاكتناز والمضاربة والخروج من السوق من جهة أخرى، فضلًا عن آثار تراجع الدخول الحقيقية مع صدمات الإفقار المتتابعة بالتعويمات المتتالية والضرائب والرسوم المتزايدة باستمرار.

شكل (11): إجماليات الادخار والاستثمار الكلي والاستثمار الخاص

كنسب من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة 2006-2021(63)

لكن المفارقة الأكبر ليست في نمو حصة كل من الحكومة والقطاع العام من الائتمان بما تجاوز حصة القطاع الخاص بحد ذاتها، بل في أنها قد تجاوزت حتى حصتهما عندما كانت مصر لا تزال تتبنى علنيًّا نهج التدخل الاقتصادي وقيادة القطاع العام للتنمية، وتعمل بالقطاعات الإنتاجية السلعية والصناعة التحويلية (الأمر الذي استمر عمليًّا حتى أواخر الثمانينات)، كما يظهر بالشكل (12) التالي، ما يبدو تناقضًا غير مفهوم لأول وهلة، ليس فقط من زاوية التناقض بين الخطاب والممارسة، بل بالأساس، من زاوية مدى منطقية استهلاك أغلب الأرصدة الائتمانية للبلد في مشروعات بنية تحتية، على حساب ما يفترض أن تستهدفه تلك البنية التحتية نفسها من تشجيع وتيسير للمشروعات الإنتاجية!

شكل (12): نسبة الائتمان الموجه للحكومة والقطاع العام إلى الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة 1980-2019م(64)

علمًا بأن حتى هذه الأرقام لا تدل بالكامل على حقيقة حصة القطاع الخاص الحقيقي، المتحرر تمامًا من أي روابط أو ملكية بيروقراطية، والذي ينكمش بمجموعه منذ أكثر من ثلاثة أعوام(65)؛ كون جزء معتبر لا توجد شفافية كافية بشأنه مما يحسب قانونًا ضمن القطاع الخاص ما هو إلا “شركات واجهة” لأجهزة بيروقراطية، تحظى -على الأقل- بأغلب الامتيازات والتسهيلات التي تمتلكها هذه الأجهزة في بلد محدود المؤسسية والحوكمة، والتي كان بعضها يتسم بالقانونية الصريحة حتى وقت قريب، ولم يتم التخلي عنه رسميًّا سوى تحت ضغط الاتفاقات مع صندوق النقد(66).

ومشكلة هذا التحول في حصص الائتمان لصالح الحكومة والقطاع العام، أنه لا يوجِّه -كما أشرنا سلفًا- لأفضل الاستخدامات بالمعايير الاقتصادية، بل في غالبه لإنفاق استثماري، ناهيك عن مشكلات الاستهلاكي الصِّرف منه وما يتضمنه من فاتورة إهدار وفساد مرتفعة، يذهب معظمها إلى مشروعات بنية تحتية مثيرة للجدل عمومًا، وتثير إشكالات تخصيصية من زاوية تحفيزها الضار للقطاع العقاري المنتفخ فعليًّا -والضار بنمو الاقتصاد بمجموعه- خصوصًا، فضلًا عن كونه يخلق معدلات نمو سريعة، لكنها زائفة في معظمها وتتبخر لاحقًا؛ كونها أرصدة لم توجه لأفضل استثمار اقتصادي واجتماعي(67)، فيما هى محملة بمكونات مديونية عامة داخلية وخارجية مرتفعة، لم نناقش هنا مدى استدامتها بالمعايير المالية والاقتصادية التقنية؛ لخروجها عن نطاق الورقة، ولكونها تدخل في باب النافل مع الأزمات المتتالية الناتجة عنها مؤخرًا.

وبالطبع، فهذا الإفراط في استخدام آليات الاقتراض والاستدانة، متزاوجًا مع طباعة النقد وضريبة التضخم، كحل ملتو لتناقض التمويل والتمثيل؛ لتمويل الحل التنموسياسي المكلف -وغير الكفء الذي لا يفعل أكثر من مجرد شراء الوقت- لمواجهة تناقض التمثيل والمشروعية، بما يجمعهما من تحويل غير طوعي للموارد المالية من الشعب إلى النظام، ومن تحديد تحكمي لأولويات الاستثمار وتخصيصات الموارد المادية بعيدًا عن مشاركته، ليس سوى عملية غير مستدامة ماليًّا وتنمويًّا وسياسيًّا؛ خصوصًا مع غلبة أحادية اتجاهها من الأول إلى الثاني من ناحية، وغلبة الهدر والتسرب خارج الاقتصاد وخارج البلد بالجملة عبر طرف المعادلة المستفيد من ناحية أخرى.

يوم الحساب: سباق الهاوية بين النظام والشعب

تنبع خطورة سعر الصرف، ليس فقط من كونه أبا الأسعار كلها؛ باعتباره سعر العملة الوطنية التي تمثل مظهر ورمز استقلال الاقتصاد؛ ومن ثم تأثيره على كافة متغيراته وتدفقاته إنتاجًا واستهلاكًا واستثمارًا، بل كذلك من كونه في نهاية المطاف مجرد “سعر” يعبِّر عن “قيمة”، بما يعنيه ذلك من انطباق كافة قوانين وأحكام الأسعار والقيم عليه، بما فيها تأثرها بالاضطرابات السيكولوجية وأرواح الحيوانات(68).

وعلى هذا الصعيد، يمكن أن يقع سعر الصرف كغيره من الأسعار فريسة لهذه الاضطرابات السيكولوجية المدفوعة بالتوقعات، السلبية غالبًا في سياقات الأزمات، بل إن المضاربة الناتجة عنها هي إحدى الطبقات الخمس المحددة لسعر الصرف(69)، والتي تصبح الطبقة الأكثر خطورة والأكبر أثرًا في هذه السياقات، بما يتجاوز كثيرًا كافة الطبقات الأخرى، الهيكلية والمؤسسية والتجارية والمالية، التي يفترض أنها أكثر موضوعية وأساسية في تكوين هذا السعر، والأحق بصياغة توازنه الحقيقي العادل.

لكن الوصول للوضع الذي تتسلم فيه هذه الطبقة السيكولوجية، المدفوعة عادةً بتراجع ثقة هائل في المنظومة الاقتصادية، عجلة قيادة سعر الصرف لا يحدث إلا نتيجة لسوء إدارة اقتصادية وسياسية كبيرين، يفقد معه الشعب أية توقعات إيجابية تجاه المستقبل؛ لتصبح “الدولرة”، كأبرز التجليات النقدية لهذا الموقف، نوعًا من القفز الواعي من المركب الاقتصادي، والمقاومة الاجتماعية غير الواعية لسوء الإدارة المالية والمصادرة النقدية للمدخرات.

ما يفاقم خطورة هذا المأزق، الذي شهدنا عينةً بسيطة منه في مصر أوائل العام الحالي، حال تكراره، هو تضافره مع عدم قدرة الشعب على التأثير في السياسات العامة؛ وبالتالي غياب أي آليات للتفاوض والحلول الوسط؛ بما يوفر أي أرضية لاستعادة الثقة بسرعة معقولة قبل انهيار الموقف، وتحوله لسباق هاوية بين النظام والشعب؛ وهو ما يعيدنا مرةً أخرى لأصل المشكلة، الطبيعة الاستبدادية المحاسيبية للنظام السياسي، التي كانت سببًا محوريًّا في تفاقم المأزق المالي والاقتصادي من البداية.

فعلى ما فصَّلنا، لا يمكن اختزال الاختلال الشديد في الأداء الاقتصادي المصري، باندفاعه الشديد باتجاه الاستدانة المفرطة داخليًّا وخارجيًّا، والزيادة غير الرشيدة في المعروض النقدي، والاستثمار المندفع في البنية التحتية غير الضرورية والمشروعات غير المدروسة، بمجرد الأهواء والنزعات الشخصية، أو ضعف المعرفة وسوء التقدير الشخصي، لمجموعة الحكم ، بل إن كل ذلك مدفوع بطبيعة الميل الاستبدادي المحاسيبي للنظام السياسي، بعد أزمته مع ثورة 25 يناير/كانون الثاني، وتفاقم تناقضاته المركزية في مواجهة امتداداتها.

حيث في مواجهة “تناقض التمثيل والمشروعية”، لم يكن أمام النظام لترميم مشروعيته في مواجهة شعبه، دون تقديم تنازلات في شكل ديمقراطية سياسية، سوى اللجوء لشرعية الإنجاز، ومع استحالة تحقيق ذلك -وبسرعة كافية- عبر معالجة جذرية للمشكلات التنموية الحقيقية لمصر، خصوصًا في سياق تناقضها مع طبيعته المحاسيبية وعلاقات التبعية للخارج؛ كانت إستراتيجية الاستعراض التنموي نازيَّة الجذور التاريخية، بالاستثمار في البنى التحتية والمشروعات القومية، الحل الأسهل والأسلم، كذا الموافق لطبيعة النظام ومصالح دوائره؛ كونه يصلح كذلك وسيلة وغطاءً لإعادة بناء وهيكلة شبكات المحاسيبية؛ بما يعيد ترسيخ أقدام النظام من جهة شبكات دعمه ومؤيديه.

كذا، في مواجهة “تناقض التمويل والتمثيل”، لم يكن أمام النظام لمعالجة أزمته المالية المزمنة، والمتفاقمة تحت ضغط أعباء الحل المطروح للتناقض السابق (بشقيه من إنفاق عام غير كفء وتوزيع مكاسب محاسيبية فاسدة معًا)، دون تقديم تنازلات في شكل تمثيل شعبي (لا يتوافق مع طبيعته العامة وطبيعة الحل المذكور خصوصًا)، سوى اللجوء لاستنفاد كامل إمكاناته الجبائية الملتوية، من زيادات للضرائب غير المباشرة والرسوم الحكومية وتقليص لأغلب أشكال الدعم…إلخ، ومن استخدام مفرط لأداتي الاستدانة الداخلية والخارجية من جهة، وضريبة التضخم بطباعة النقد من جهة أخرى.

وقد انعكس حل التناقض الأول في صورة معدلات نمو صورية قصيرة الأجل، سرعان ما كانت نتائج حل التناقض الثاني تلتهمها؛ لتعيد الأمور إلى نصابها؛ بكشف وهمية النمو المدفوع بمديونية موظفة في مشروعات محدودة الجدوى الاقتصادية من جهة، وبسداد المديونية أو التمويل الذي جبته الحكومة من الشعب بصورة غير طوعية، من قيمة العملة الوطنية؛ لتقتطعه من مدخرات الشعب ومستوى معيشته من جهة، ومن حجم الناتج الإجمالي الحقيقي من جهة أخرى.

ثم مع انكشاف اللعبتين لأغلب فئات الشعب، لعبة التنمية الاستعراضية ولعبة الجباية غير الطوعية، وإدراكهم لجزء من خلفيتها، انهارت الثقة واتجهت القادرة منها، ذات الفوائض المالية، إلى الهروب من الجنيه لتجنب هذه الجباية الملتوية، وما تتضمنه من تمويل الإنفاق الاستعراضي المحاسيبي غير الكفء؛ لينعكس هذا الهروب في مضاربة ضد الجنيه المصري؛ ظهرت أعراضها في القفزات السعرية المتتالية للدولار الأميركي في السوق السوداء، وفي الفجوة بين السعرين، المحلي والدولي، للذهب، وبالطبع في انفجار أسعار كافة أنواع السلع والأصول الأخرى.

وهذه المضاربة، للحفاظ على القيم الحقيقية لموارد ومدخرات الأفراد، ورغم كل آلامها وضحاياها، تمثل نوعًا من المقاومة الاجتماعية للجباية غير الطوعية ولطريقة توظيف الحكومة للموارد المقتطعة من المجتمع، إنها مقاومة سلبية ملتوية لجباية قسرية ملتوية، منطقية جدًّا ولا بديل أكثر أمنًا لها في سياق القمع السياسي والأمني الشديد؛ حيث ينتقل الصراع المالي الذي كان يجب حله سياسيًّا، إلى ما يمكن التنازع فيه والالتفاف حوله اقتصاديًّا ونقديًّا.

لا عجب في ارتفاع مدى عنف الحكومة تجاه تجار الذهب والمحتفظين بالدولار مع وصول الأزمة لذروتها أوائل العام الحالي(70)، والذي تجاوز كافة الحدود القانونية والدستورية، بل والمنطقية، حدَّ نصب كمائن في الطرق والشوارع للقبض على حائزي الدولار، ومصادرة حيازاتهم بكافة الطرائق القانونية وغير القانونية، بل واتهام حتى من لا يملكون سوى مئات قليلة منه بالإتجار بالعملة؛ مما أثار سخرية المصريين على وسائل التواصل الاجتماعي، كتويت هزلي على موقع “إكس” من رجل الأعمال المصري الشهير، نجيب ساويرس، وصف فيه مواطنًا، قُبض عليه واتُّهم بالإتجار بالعملة؛ لمجرد حيازته مبلغًا زهيدًا جدًّا لم يتجاوز 250 دولارًا، بأنه “أكيد لسَّه بيكوِّن نفسه” كتاجر عملة!

وعلى النطاق السياسي الأوسع، يمثل ذلك المنعطف السياسي/الاقتصادي، دخولًا في المسار الانهياري من السياسة (المسار الدارويني)، فمع عجز قوى المجتمع عن إجبار الدولة على الإصلاح التطوري وعجزها هي نفسها عن الإصلاح من الداخل (المسار الفيبري)، ومع عجز المجتمع عن إنجاز ثورة لتغيير النظام السياسي جذريًّا (المسار الماركسي)(71)، يزداد الصدع بين النظام والمجتمع، في سياق تزاوج الفشل التنموي (بسبب ضعف الكفاءة واستشراء الفساد)، وتزايد القمع (لتزايد عزلة النظام بتقلض دوائر المستفيدين منه الداعمين له)؛ ليصبح منطق عمل النظام الاجتماعي نفسه بقيادة النظام السياسي أكثر تعارضًا شيئًا فشيئًا مع مصالح الأغلبية؛ فتتفاقم الاحتكاكات والاختناقات بالتعارضات المتزايدة بين مصالحهم الخاصة ومتطلبات استمراره؛ لتنهار الثقة العامة والتوقعات المستقبلية وتتفشى ممارسات كالاكتناز والمضاربة وغيره أكثر فأكثر، ويدخل الاقتصاد في حالة أقرب للركود، والمجتمع بمجموعه في مسار أميل للتفسخ.

ويصبح هذا المسار الانهياري أسوأ عندما تتجاوز المشكلة بين النظام والشعب مجرد الفشل التنموي، أو تدهور الثقة العامة وتراجع حوافز العمل والاستثمار، إلى صراع صريح بينهما على الموارد، بمحاولة النظام تعميق الجباية غير الطوعية بمختلف الأدوات، فيما يهرِّب الشعب فوائض موارده ومدخراته -قدر إمكانه- بعيدًا عن أعين النظام؛ بما يُخرج أغلبها من الاقتصاد بمجموعه، بما في ذلك الهروب من العملة الوطنية، وبذر مزيد من بذور انهيار الاثنين مستقبلًا.

ولنتذكر في هذا السياق، أن العامل الذي لعب الدور الأكثر حسمًا في انهيار العبودية كان تحديدًا فقدان العاملين/العبيد لأي حافز ذاتي أو مصلحة شخصية من العملية الإنتاجية؛ ما يؤيده حديث ابن خلدون الشهير عن عواقب الجباية الظالمة وعمل السلطان بالتجارة وافتراء السلطة على حقوق الناس: “إن الظلم مؤذن بخراب العمران، وإن العدوان على الناس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها واكتسابها لما يرونه حينئذ من أن غايتها ومصيرها انتهابها من أيديهم، وإذا ذهبت آمالهم في اكتسابها وتحصيلها انقبضت أيديهم عن السعي في ذلك، وعلى قدر الاعتداء ونسبته يكون انقباض الرعايا عن السعي في الاكتساب، فإذا كان الاعتداء كثيرًا عامًّا في جميع أبواب المعاش كان القعود عن الكسب كذلك؛ لذهابه بالآمال جملة بدخوله من جميع أبوابها”(72)، ومثله نصيحة الإمام علي للأشتر النخعي، واليه على مصر: “ليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج؛ لأن ذلك لا يُدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد”(73).

خاتمة: رهانات “الأكبر من أن تفشل” الهشة!

إنها بوادر سباق خطير، بين شعب ونظامه، نتجت عن إصرار نظام سياسي، تجاوزه التطور الاجتماعي، على الاستمرار بكبح تطور المجتمع وتشديد حدة تطفله عليه، وهى إستراتيجية ليس لها أن تثمر خيرًا ولا أن تستمر طويلًا، ولا يبقيها سوى المساعدات الخارجية أوقات الأزمات من قوى دولية تخشى خروج مصر عن الطوق بنظام سياسي جديد أكثر تعبيرًا عن إرادة شعبها ودورها الإقليمي المفترض.

لا عجب في تذمر هذه القوى نفسها من مجمل طريقة عمل النظام المصري؛ انطلاقًا من فهمها لطبيعته المحاسيبية وتحفظها على إدارته السياسية والاقتصادية غير المستدامة، واضطرارها رغم ذلك لإنقاذ الموقف بدعمه، كما ظهر بوضوح بتوصية مجلة الإيكونوميست، أوائل فبراير/شباط الماضي، بـ”ضرورة إنقاذ مصر، رغم عدم استحقاقها الإنقاذ”(74).

هذه القوى التي يراهن النظام على استمرارها بدعمه؛ بتصور هشٍّ بأن مصر “أكبر من أن تسقط”؛ لأهميتها الجيوبوليتيكية في الإقليم ولحجمها السكاني الهائل وخلافه، لن تستمر بالدعم مستقبلًا؛ فلو أرادت، فإنها لن تستطيع؛ فاستمرار المسار الحالي يتضمن ليس فقط تكرار الأزمات، بل تسارعها عبر الزمن بتكرارها بوتائر أسرع فأسرع، وتفاقهمها حجمًا وتعقيدًا بتضخمها أكثر فأكثر.

وهكذا، فحتى لو لم يدخل العالم في أزمة اقتصادية كبرى (كما هو متوقع حاليًّا حدَّ الجزم)، تتكاثر وتتعاظم معها المشكلات، وينشغل فيها كلٌّ بنفسه، بل ويحاول أقوياء العالم خصوصًا تصدير مشكلاتهم وحلها على حساب الآخرين الأضعف، فإنه حتى على مستوى مصر وحدها، سيؤدي النمط الذي تعمل به حاليًّا إلى تفاقم أزمات المسار الانهياري مرةً بعد مرة، كما ستتسارع وتيرتها وتتفاقم فاتورة كبتها وتأجيلها، بحيث تصل إلى نقطة حرجة، عندها لن يكون هناك من يدعم، وإن وُجد فلن يستطيع!

المراجع

(1) فأكثر ما يهم الصندوق هو الفتح الرأسمالي لمزيد من الاقتصادات والأسواق وتعزيز مواقع الرأسمالية المالية بها؛ لضمان استتباعها ضمن منظومة النقد والمال الغربية بالأساس، بغض النظر عن مدى نجاعة أو جدوى برامجه للدول المعنية، أو بالأحرى الضحايا. يؤكد هذا، كما لاحظ أرنست فولف، منحه قروضًا عالية المخاطر لبلدان يعلم جيدًا مدى سوء أوضاعها المالية والاقتصادية وعدم قدرتها المزمنة على سداد التزاماتها؛ ليس عن دوافع خيرية بالتأكيد، بل لاستدراجها لفخ المديونية؛ لتمكين الرأسمالية المالية الدولية من الحصول منها على تنازلات ما كانت ستقدمها أبدًا في الظروف العادية، وما بيع مصر المتصاعد لأصولها المالية وأراضيها الوطنية سوى أحد تجليات هذه الممارسات التقليدية للصندوق، الذي كان يصل لحد التنازل عن قروضه لهذه البلدان إذا ما ضمن التزامها باشتراطاته على أصعدة السياسات الاقتصادية المختلفة، انظر: أرنست فولف، صندوق النقد الدولي: قوة عظمى في الساحة العالمية، عالم المعرفة (435)، (الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، أبريل/نيسان 2016)، ص 123-124.

(2) حتى إن رجلًا محدود الثقافة الاقتصادية، محافظ الميول السياسية، كالرئيس الأسبق، حسني مبارك، أدرك بتجربته العملية المباشرة أن برامج الصندوق ما هي إلا سلسلة لا تنتهي من توصيات الإغراق النقدي والمالي؛ تؤدي بالبلد الضحية للعودة الدائمة إليه؛ للخضوع لاشتراطات جديدة متزايدة، لا تصب في أغلبها في صالح البلد وشعبه، بل لتعميق ضعفه وتبعيته، حدَّ اعتبره متآمرًا، انظر: مبارك: كانوا عايزني أدبح الغلابة وأزود عليهم الأسعار، قناة أنا آسف يا ريس، يوتيوب (تاريخ الدخول: 1 أبريل/نيسان 2024):

https://www.youtube.com/watch?v=bQSoGbVw4HU.

(3) روبرت سبرينجبورج، “رؤى: استدامة نموذج الاقتصاد السيساوي للتنمية”، رواق عربي، (مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، مصر، 28 (1)، 2023)، ص 12.

(4) لمزيد من التفاصيل، انظر: مجدي عبد الهادي، “اللفياثان المريض: ثنائية الطغيان السياسي والعجز التنموي للدولة المصرية”، مجلة لباب للدراسات الإستراتيجية والإعلامية، (مركز الجزيرة للدراسات، قطر، العدد صفر، نوفمبر/تشرين الثاني/تشرين الثاني 2018).

(5) لمزيد من التفاصيل، انظر: مجدي عبد الهادي، “التعويم الثالث للجنيه المصري: جذور الأزمة وآفاق التفاعل”، مركز الجزيرة للدراسات، 4 نوفمبر/تشرين الثاني/تشرين الثاني 2022، (تاريخ الدخول: 2 أبريل/نيسان 2024)، https://studies.aljazeera.net/ar/article/5489

(6) مجدي عبد الهادي، “العجز الثلاثي: فجوات التجارة والمالية والنقد في اقتصاد ريعي تابع، مصر نموذجًا”، مجلة لباب للدراسات الإستراتيجية والإعلامية، (مركز الجزيرة للدراسات، قطر، العدد (12)، نوفمبر/تشرين الثاني/تشرين الثاني 2021).

(7) مجدي عبد الهادي، قاعدة النموذج الساداتي المتهاوية، مجلة صفر، العدد (2)، ملف عوارض الهجرة وتحويلاتها، 6 فبراير/شباط 2023، (تاريخ الدخول: 2 أبريل/نيسان 2024): https://alsifr.org/remittances-egypt.

)8( Saab, G. and Ayoub, M., “The Dutch disease syndrome in Egypt, Jordan, Lebanon, and Syria: a comparative study”, Competitiveness Review, )Vol. 20 No. 4, 2010(, pp. 343-359.

(9) دولفو باراهاس وآخرون، “متاعب الانتقال: تحويلات العاملين الضخمة تضعِف قدرة البلد المتلقي على إدارة سياسته النقدية”، مجلة التمويل والتنمية، (صندوق النقد الدولي، الولايات المتحدة الأميركية، العدد 53، الرقم 3، سبتمبر/أيلول 2016)، ص 42.

(10) خالد إكرام، الاقتصاد المصري في نصف قرن: منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفية، ترجمة وتقديم مجدي عبد الهادي، (مصر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2021)، ص 200.

(11) مجدي عبد الهادي، التنمية الممنوعة على العرب: كيف فكر القادري؟، مِتراس، 9 يناير/كانون الثاني 2023، (تاريخ الدخول: 2 أبريل/نيسان 2024):

 https://metras.co/التنمية-الممنوعة-على-العرب-كيف-فكر-ال.

(12) دوغلاس سي. نورث وآخرون، في ظل العنف: السياسة والاقتصاد ومشكلات التنمية، سلسلة عالم المعرفة (433)، (الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 2016)، ص 27.

(13) وتمثل تطبيقات برامج صندوق النقد المختلفة تجسيدًا مصغرًا لصيغة هذا التحالف النزاعي، فنجد تضافرًا بين أولويات الصندوق كمنظمة دائنين ووكيل لهيمنة الدولار مع تطبيق أحادي الجانب من طرف الحكومة المصرية؛ بحيث ينتهي الأمر لبرامج مشوهة لا يستفيد البلد حتى من جوانبها المؤسسية الإيجابية، فعندما يتعلق الأمر ببرامج ومطالب صندوق النقد والبنك الدولي الخاصة بالإصلاح الاقتصادي في مصر، يلتزم النظام الحاكم فقط بما يتحمله الشعب (من خفض للدعم وسعر الصرف ورفع للأسعار ما دامت لا تمس الاستقرار)، ويتمسك بالاستقلال “الوطني” فيما يمس مصالحه الطبقية (من إصلاحات مؤسسية قد تتعارض مع مكتسبات شبكاته المحاسيبية)؛ لينتهي الأمر بطبقات الشعب العامل كالأيتام على موائد اللئام أو الفريسة التي يتداعى عليها اللصوص تداعي الأكلة إلى قصعتها.

(14) وإن اختلفت التصورات بين النخب الإمبريالية الأكثر تقدمًا والنخب المحلية المتخلفة غالبًا، حول طريقة إدامة الهيمنة وإدارة التبعية، فبينما قد ترغب الأولى بأشكال أكثر استدامة تقوم على درجات أكثر تطورًا من المؤسسية والحوكمة، تميل الثانية للطرائق البدائية الأعنف المتناسبة مع تخلف اقتصاداتها؛ لتعظيم حصتها من فائض القيمة، بطرائق التراكم البدائي الأسهل والأرخص والأميل للفساد الصريح.

(15) سامر سليمان، النظام القوي والدولة الضعيفة: إدارة الأزمة المالية والتغيير السياسي في عهد مبارك، (مصر، الهيئة العامة لقصور الثقافة، الطبعة الثالثة، 2013).

(16) المصدر السابق، ص 249.

(17) نزيه الأيوبي، تضخيم الدولة العربية: السياسة والمجتمع في الشرق الأوسط، (لبنان، المنظمة العربية للترجمة، 2010)، ص 896.

(18) سامر سليمان، النظام القوي والدولة الضعيفة، ص 186-229.

(19) فعلى صعيد الاستثمار الخاص عمومًا، والأجنبي المباشر منه خصوصًا، الذي تستهدفه كل استثمارات البنية التحتية الضخمة وكل البرامج التي أُبرمت مع صندوق النقد الدولي بكل سياساتها الفرعية، يتأثر الاستثمار سلبيًّا بمناخ القمع وما يرتبط به من ضعف حوكمة وشيوع فساد وصعوبة التوقع…إلخ، فيتراجع كمًّا، كما يتشوه كيفًا باتجاه قصير الأجل لا طويله، وخفيف الأصول الثابتة لا ثقيلها، والاحتكاري الضخم -محدود التشغيل بالنسبة لحجمه- لا المتوسط كثيف العمالة؛ بما يعني محدودية الاستثمار الأفضل إنتاجية اجتماعية وأثرًا تنمويًّا في الأجل الطويل، لمزيد من التفاصيل، انظر: مجدي عبد الهادي، “كيف تضر استدامة الطوارئ بالاقتصاد المصري؟”، إضاءات، 20 أبريل/نيسان 2017، (تاريخ الدخول: 5 أبريل/نيسان 2024)، https://www.ida2at.com/how-state-of-emergency-affect-the-sustainability-of-egyptian-economy/.

(20) اعتمدت الحكومة وسائل هامشية أخرى، كالزيادات الكبيرة في رسوم الخدمات الحكومية، وخفض الدعم الكبير والمتسارع عن كثير من السلع والخدمات التي كانت الحكومة تقدمها للمواطنين (ما مثَّل رافدًا آخر بحد ذاته للتضخم)، بل وتحول كثير من الهيئات الحكومية إلى ما يشبه منشآت هادفة للربح، كالبرامج التعليمية الخاصة بالجامعات الحكومية وما شابه، كذا عمل بعضها في نطاقات تخرج عن مساحات عملها الأساسي، بما يصل أحيانًا لحد الإهانة، كبيع بعض مراكز “البحوث” الغذائية الحكومية منتجات استهلاكية للجمهور وما شابه، مما يخجل تفصيله!

)21( Norman Van Cott, “Inflation as a Tax On Money: Integfration Into Is-Lm Analysis,” Public Finance Review, vol. 9(1), January  1981.

22 سامر سليمان، النظام القوي والدولة الضعيفة، ص 186-188.

)23( Dinh, Hinh T. & Giugale, Marcelo, Inflation tax and deficit financing in Egypt, Policy Research Working Paper Series 668, )The World Bank, 1991(.

(24) خالد إكرام، الاقتصاد المصري في نصف قرن، ص 271.

)25( Egypt Money Supply M0, Trading Economics (Accessed 7/4/2024): https://tradingeconomics.com/egypt/money-supply-m0

)26( Egypt Money Supply M1, Trading Economics (Accessed 7/4/2024): https://tradingeconomics.com/egypt/money-supply-m1.

)27( Egypt Money Supply M2, Trading Economics (Accessed 7/4/2024): https://tradingeconomics.com/egypt/money-supply-m2.

(28) وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، تقرير متابعة الأداء الاقتصادي والاجتماعي خلال العالم المالي 2022/2023، (مصر، ديسمبر/كانون الأول 2023)، ص 54.

)29( Egypt Gross Domestic Debt, CEIC Data (Accessed 8/4/2024): https://www.ceicdata.com/en/egypt/domestic-debt/gross-domestic-debt.

(30) وزارة المالية، أداء دين أجهزة الموازنة خلال العالم المالي 2021/2022، (مصر، 2022):

https://mof.gov.eg/ar/posts/publicDept/5fee0adb9074480007312e36/الدين-المحلى

https://assets.mof.gov.eg/files/2023-12/ffefca60-9d7a-11ee-acb1-7d16bf3170ec.pdf

(31) أحمد إسماعيل، “تفاقم الدين المحلي لمصر بأكثر من نصف تريليون جنيه في 3 أشهر”، سي إن إن الاقتصادية، 8 يونيو/حزيران 2023، (تاريخ الدخول: 8 أبريل/نيسان 2024)،

https://cnnbusinessarabic.com/economy/27082/الديون-المحلية-في-مصر.

(32) وزارة المالية، أرصدة الدين العام (داخلي، خارجي) لأجهزة الموازنة العامة للدولة، (مصر، د.ت):

https://mof.gov.eg/ar/posts/publicDept/5fee08ba9074480007312e2d/الدين-الحكومي-وهيكل-المديونية

https://assets.mof.gov.eg/files/2023-10/ce5c3140-677f-11ee-b47a-bdb6c327c4bd.pdf

(33) “الدين الخارجي لمصر يرتفع إلى 168 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2023″، مصراوي، الاثنين 1 أبريل/نيسان 2024، (تاريخ الدخول: 8 أبريل/نيسان 2024):

https://www.masrawy.com/news/news-banking/details/2024/4/1/2561577/الدين-الخارجي-لمصر-يرتفع-إلى-168-مليار-دولار-بنهاية-ديسمبر-2023

)34( Egypt Total External Debt, Trading Economics: https://tradingeconomics.com/egypt/external-debt.

)35( Egypt External Debt: % of GDP, CEIC Data (Accessed  9/4/2024): https://www.ceicdata.com/en/indicator/egypt/external-debt–of-nominal-gdp.

(36) وزارة المالية، مستهدفات الدين فى المدى المتوسط أكتوبر 2022، (مصر، 2022)، ص 29، (تاريخ الدخول:  9 أبريل/نيسان 2024)، https://mof.gov.eg/ar/posts/publicDept/5fee0adb9074480007312e36/الدين-المحلى

https://assets.mof.gov.eg/files/2023-12/14310840-9d7b-11ee-ae24-3790b21b1473.pdf

(37) المصدر السابق، ص 30.

(38) ملخص فعليات الموازنة العامة للدولة خلال الفترة من العام المالي 2011/2010 وحتى العام المالي 2022/2023، موقع وزارة المالية المصرية، (تاريخ الدخول: 10 أبريل/نيسان 2024)، https://mof.gov.eg/ar/posts/statistics/5fd94914f0a7ba0007ee0cc5/ملخص-فعليات-الموازنة-العامة-للدولة-خلال-الفترة-من-العام-المالي-2011-2010-وحتى-العام-المالي-2020-.

(39) إبراهيم مصطفى، “تبطين الترع في مصر… حفظ للمياه أم إهدار للمال؟ الحكومة تعيد تقييم المشروع وسط انقسام حول جدواه ومطالب بتغيير الاستراتيجية”، Independentarabia، الاثنين 13 فبراير/شباط 2023، (تاريخ الدخول: 10 أبريل/نيسان 2024)،

https://www.independentarabia.com/node/421631/اقتصاد/أخبار-وتقارير-اقتصادية/تبطين-الترع-في-مصر-حفظ-للمياه-أم-إهدار-للمال؟

)40( Mohamed, Malak. The Effect of Fiscal and Monetary Policy on Public Debt in Egypt, )Master’s Thesis, American University in Cairo, 2024(, P 32.

)41( Ibid, P 31.

(42) تشير كلمة بوندوجل الإنكليزية Boondoggle عمومًا إلى المنتج التافه عديم الفائدة الذي يمثل إهدارًا للوقت والموارد، كما تشير خصوصًا إلى المشاريع الضخمة التي تكلف موارد ونفقات هائلة، وتستمر رغم الإدراك المبكر لعدم جدواها الاقتصادية؛ لصعوبة الاعتراف بفشلها وعدم تغطيتها لتكاليفها، أو بدفع من أهداف سياسية أو استعراضية بالأساس؛ ما يتقاطع مفاهيميًّا وعمليًّا مع مصطلح الأفيال البيضاء الشهير، وإن اختص بصورة أكثر تحديدًا بمحورية العامل السياسي فيه.

(43) ماجد مندور، “الجانب المظلم في خطة السيسي للتنمية المدينية”، Carnegie Endowment for International Peace، 10 مايو/أيار 2021، (تاريخ الدخول: 11 أبريل/نيسان 2024)، https://carnegieendowment.org/sada/84500.

)44( Urban population (% of total population) – Egypt, Arab Rep.,  World Bank (Accessed 11/4/2024):

https://data.worldbank.org/indicator/SP.URB.TOTL.IN.ZS?locations=EG.

(45) مبادرة تضامن، “سياسة المدن الجديدة في مصر: أثر متواضع وعدالة غائبة”، القاهرة، 6 مايو 2016، (تاريخ الدخول 11 أبريل/نيسان2024)،

https://www.tadamun.co/سياسة-المدن-الجديدة-في-مصر-أثر-متواضع-و

(46) محمد شحاتة، “تقويم سياسات إدارة النمو السكاني والعمراني بالمجتمعات العمرانية الجديدة في مصر”، Journal of Urban Research، (كلية التخطيط الإقليمي والعمراني، جامعة القاهرة، المجلد (١٥)، يناير/كانون الثاني 2015)، ص 60، 63.

(47) حتى لو كانت الحكومة هي التي ستقود بنفسها الانتقال إلى تلك العاصمة، فالإطار المعلن حتى الآن لا يشير لإمكانية نجاح مستهدفاته، فبينما تستهدف العاصمة الجديدة حسب المعلن اجتذاب ستة ملايين مقيم للعيش بالمدينة المخططة بمساحة تبلغ أربعة أضعاف العاصمة الأميركية، واشنطن، فإنها بتصميمها الفعلي وبعيناتها المنفذة، وبالتقديرات بتجاوز أرخص شقة سكنية بها 80 ألف دولار، تستهدف عمليًّا شرائح شديدة الضيق في مجتمع يبلغ متوسط دخله الفردي حوالي 4300 دولار سنويًّا (عندما كان الدولار يعادل 19.16 جنيهًا، حسب بيانات البنك الدولي المنتهية عام 2022)، والذي بتعديله حسابيًّا فقط بفارق سعر الصرف بعد تعويمات عام 2022 وأول عام يناير/كانون الثاني 2023؛ فإنه ينحدر إلى حوالي 2658 دولارًا سنويًّا؛ ما يعكس ليس فقط عدم الملاءمة الضرورية ما بين العرض والطلب، أو الانحياز الاجتماعي المتضمَّن في المشروع طبقي المضمون استعراضي الطابع، بل يعكس كذلك التناقض الذي سيحكم عليه بالفشل المسبق، ما بين مشروطية نجاحه بالازدهار الاقتصادي وارتفاع مستويات الدخل، والاتجاهات الفعلية المعاكسة، بتدهور الأول وانخفاض الأخير، بسبب مجمل سياسات الإدارة المصرية، بما فيها، وفي قلبها، تكاليف تمويل العاصمة وما شابهها من مشاريع، تفوق طاقة الاقتصاد المأزوم فعليًّا.

(48) محمد إبراهيم وعلا العلاف، “العاصمة الإدارية الجديدة.. 60 مليار دولار تكلفة الإنشاء وتستوعب 6.5 مليون مواطن”، الدستور، 16 مايو/أيار 2019، (تاريخ الدخول: 12 أبريل/نيسان 2024)، https://www.dostor.org/2632128.

(49) أشرف عبدالحميد، خالد حسني، “مصر.. “عاصمة” جديدة بـ45 مليار دولار”، العربية، 14 مارس/آذار 2015، (تاريخ الدخول: 12 أبريل/نيسان 2024)،

https://www.alarabiya.net/aswaq/economy/2015/03/14/-مصر-تعلن-عزمها-بناء-عاصمة-إدارية-بـ45-مليار-دولار

(50) “الرئيس السيسي: مصر أنفقت 400 مليار دولار لتطوير البنية التحتية خلال 7 سنوات”، الهيئة العامة للاستعلامات، القاهرة، 14 فبراير/شباط 2022، (تاريخ الدخول: 12 أبريل/نيسان 2024)،

https://sis.gov.eg/Story/229147/الرئيس-السيسي–مصر-أنفقت-400-مليار-دولار-لتطوير-البنية-التحتية-خلال-7-سنوات?lang=ar.

(51) فحتى في الحالة النازية، التي دُرست جيدًا كنموذج بارز لتنفيذ هذه السياسة، كان الأثر الاقتصادي أقل بكثير من الأثر السياسي؛ الأمر الذي لا يمكن تفسيره سوى بتأثير الدعاية السياسية التي عملت على تضخيم المنافع الفعلية والمحتملة، كذا وهو الأهم، بتوظيف الدعاية الحكومية لهذه المشروعات للتأكيد على فاعلية السلطة وكفاءتها العامة بغض النظر عن المنافع الاقتصادية المباشرة، انظر:

مجدي عبد الهادي، “مشاريع البنية التحتية بين العدالة والاستعراض”، العربي الجديد، 14 أغسطس/آب 2023، (تاريخ الدخول: 12 أبريل/نيسان 2024)،

https://ar.jrls.cc/economy/مشاريع-البنية-التحتية-بين-العدالة-والاستعراض.

(52) نورا يوسف، “بالأمر المباشر”: قوانين مصرية في خدمة مطورين عقاريين كبار، هشام طلعت مصطفى… الرابح الأكبر من العاصمة المصرية الجديدة، شبكة أريج (إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية)، 27 يناير/كانون الثاني 2024، (تاريخ الدخول: 12 أبريل/نيسان 2024)، https://arij.net/investigations/aqarat-egypt.

(53) فقد تحول القطاع العقاري لثقب أسود يمتص الفوائض المالية، وبخاصة المتوسطة والكسولة منها غير المهتمة بالتحول لرؤوس أموال مادية نشطة، كفوائض العاملين بالخليج، مع تجنبها لفوائد البنوك بفضل وعيها بالوهم النقدي وسلبية الفائدة الحقيقية في السياق المصري؛ ما ترافق مع الميل لعدم تسجيل الملكية العقارية في مصر؛ ليؤدي إلى تراكم “رأسمال ميت” ضخم، قدره هرناندو دي سوتو في مصر بحوالي 240 مليار دولار أوائل الألفية، بما يعادل وقتها ثلاثين مثلًا قيمة بورصة القاهرة، وخمسة وخمسين مثلًا كل الاستثمار الأجنبي في مصر؛ لأسباب مؤسسية تعود بنا لاعتبارات البيئة القانونية والكفاءة الإدارية مرةً أخرى، انظر:

(53) مجدي عبد الهادي، “إشكالات الضريبة العقارية في مصر: بين حاجات التمويل والتنمية وقيود السياسة والمركزية”، الفصل الثالث من كتاب: تراكم لا ينفع: سياسات التطوير العقاري في مصر، تحرير عمرو عادلي، (مصر، مؤسسة فريدريش إيبرت (مكتب مصر)، 2022)، ص 69.

(54) هاني محمد، “دراسة: أكثر من 29% من الوحدات السكنية بمصر مغلقة”، أخبار اليوم، السبت، 29 يونيو/حزيران 2019، (تاريخ الدخول: 12 أبريل/نيسان 2024)،

https://akhbarelyom.com/news/newdetails/2873844/1/-دراسة–أكثر-من-29-من-الوحدات-السكنية-بم.

(55) إبراهيم مصطفى، “هل تكسر مطرقة الأزمة أقفال الصناديق الخاصة في مصر؟ الآلاف منها خارج ولاية الموازنة العامة وأكبر مما تملكه وزارة المالية نفسها ومطالب عاجلة بضمها إلى الخزانة”، Independentarabia، 13 فبراير/شباط 2024، (تاريخ الدخول: 12 أبريل/نيسان 2024)،

https://www.independentarabia.com/node/547326/اقتصاد/أخبار-وتقارير-اقتصادية/هل-تكسر-مطرقة-الأزمة-أقفال-الصناديق-الخاصة-في-مصر؟.

(56) كان سمير رضوان وزير المالية، عام 2011، قد اشتكى من أن وزارته غير قادرة على تتبع مخصصات الأموال العامة للهيئات الحكومية والإبلاغ عن الإنفاق الفعلي، وعدم القدرة على مراجعة وتقييم ذلك الإنفاق لغياب التفاصيل بما يتجاوز الإجماليات العامة للنفقات والإيرادات، انظر: يزيد صايغ، أولياء الجمهورية: تشريح الاقتصاد العسكري المصري، (لبنان، مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، 14 ديسمبر/كانون الأول 2019)، ص 280.

(57) بيسان كساب، “مسؤول حكومي: لدينا أكثر من 6700 صندوق خاص، وتعديلات «المالية العامة» لن تضيف إيراداتها للخزانة العامة”، مدى مصر، القاهرة، 9 مارس/آذار 2024، (تاريخ الدخول: 12 أبريل/نيسان 2024)،

https://www.madamasr.com/ar/2024/03/09/news/u/مسؤول-حكومي-لدينا-أكثر-من-6700-صندوق-خاص/

(58) “دمج موازنات 59 هيئة اقتصادية في «موازنة الحكومة العامة» لتحسين المؤشرات المالية المصرية”، الشرق الأوسط، 19 فبراير/شباط 2024، (تاريخ الدخول: 12 أبريل/نيسان 2024)،

https://aawsat.com/الاقتصاد/4863701-دمج-موازنات-59-هيئة-اقتصادية-في-موازنة-الحكومة-العامة-لتحسين-المؤشرات-المالية

(59) سمر سلامة، “هشام والي: الإسناد المباشر بقانون المناقصات باب للفساد ويفتح طريق الوساطة”، اليوم السابع، 15 مارس/آذار 2017، (تاريخ الدخول: 13 أبريل/نيسان 2024)،

https://www.youm7.com/story/2017/3/15/هشام-والى-الإسناد-المباشر-بقانون-المناقصات-باب-للفساد-ويفتح-طريق/3143099

(60) ما يبدأ دومًا كاستثناءات بدعوى معالجة الحالات الخاصة وتجاوز الروتين إلى آخر الدعاوى الجميلة.

(61) يزيد صايغ، أولياء الجمهورية، ص 264.

(62) البنك المركزي المصري، المجلة الاقتصادية، المجلد الثالث والستون–العدد الرابع، 2022/2023، قطاع البحوث الاقتصادية، (القاهرة، 2023)، ص 91.

(63) إسحاق ديوان، “هل مصر أكبر من أن تفشل أم أكبر من أن تنقذ؟”، في: تقييم سياسة ملكية الدولة في مصر: بين التحديات والمقتضيات، تحرير يزيد صايغ، مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، 8 مايو/أيار 2023، (تاريخ الدخول: 13 أبريل/نيسان 2024)، https://carnegie-mec.org/2023/05/08/ar-pub-89662.

)64( Credit to Government and State-Owned Enterprises to GDP for Egypt, ArchivaL Federal Reserve Economic Data (ALFRED), (Accessed  13/4/2024): https://alfred.stlouisfed.org/series?seid=DDEI08EGA156NWDB#

(65) “مصر.. القطاع غير النفطي ينكمش للشهر الـ 39 على التوالي”، سكاي نيوز عربية، 5 مارس/آذار 2024، (تاريخ الدخول: 13 أبريل/نيسان 2024)،

https://www.skynewsarabia.com/business/1697659-مصر-القطاع-النفطي-ينكمش-للشهر-الـ-39-التوالي.

(66) “الجريدة الرسمية تنشر قرار إلغاء إعفاءات الضرائب لعدد من الأنشطة الحكومية”، الهيئة العامة للاستعلامات، القاهرة، 5 فبراير/شباط 2024، (تاريخ الدخول: 13 أبريل/نيسان 2024)،

https://www.sis.gov.eg/Story/270738/الجريدة-الرسمية-تنشر-قرار-إلغاء-إعفاءات-الضرائب-لعدد-من-الأنشطة-الحكومية?lang=ar.

(67) قد لا يتوقف الأمر على مجرد محدودية عوائدها، بل قد تغدو الاستثمارات في البنية التحتية مجرد إنفاق استهلاكي مكلف إن لم تؤد لزيادة معنوية في الاستثمار الإنتاجي، أو تصبح في أحسن أحوالها استثمارات سيئة إن حققت تلك الزيادة بوتيرة غير ملائمة اقتصاديًّا وماليًّا؛ بما يطيل فترات الاسترداد ويخالف آجال الاستحقاق فيضعف الجدوى الاقتصادية بالعموم؛ فحتى الجدوى الاقتصادية تكتسب قدرًا من معناها ضمن ملاءمة زمنية وأولوية اجتماعية؛ فليس كل ما هو مجد اقتصاديًّا ملائمًا اجتماعيًّا، ولا حكمة في جدوى اقتصادية طويلة الأجل منفصلة عن السياق الزمني المأزوم ماليًّا، فلا تراعى المواءمة بين عوائد الاستثمار واستحقاقات التمويل؛ لتنتهي لبيع أصول قيِّمة ومنتجة فعليًّا لتغطية تكاليف تمويل أصول لا يوجد ما يضمن أن تكون أكثر جودة (كما فعلت مصر عبر العامين الماضيين)، ناهيك بالطبع عن الموازنة ما بين المنافع طويلة الأجل والتكاليف قصيرة الأجل، التي تبرر بها التضحيات المطلوبة من أجيال كاملة اليوم؛ فلا يعقل أن تنخفض مستويات معيشة الأجيال الحالية بما يصل بأبسط التقديرات إلى نحو 50% وأكثر خلال عقد واحد، فقط لتمويل مشروعات بنية تحتية، تشير التقديرات الكمية عن العقدين الماضيين إلى المحدودية الشديدة لعوائدها، فزيادة بمقدار 1% في الطرق والسكك الحديدية والاتصالات مثالًا، لم تزِد نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي سوى بنسب 0.03% و0.02% و0.02% على التوالي، للمزيد حول التقديرات الكمية المذكورة، انظر:

محمد أحمد مطر، “تقييم دور الاستثمار في البنية التحتية في دعم النمو الاقتصادي في مصر خلال الفترة من 2000–2020″، مجلة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، (جامعة القاهرة، مصر، المجلد 23، العدد 4، أكتوبر/تشرين الأول 2022)، ص 117.

(68) أرواح الحيوانات تعبير شهير، ذو أصل لاتيني، وصف به الاقتصادي الإنجليزي الشهير، جون ماينارد كينز، الدوافع والعوامل النفسية والغريزية التي تؤثر على قرارات الناس المالية؛ بما يؤدي لتذبذبات مرتفعة في أسواق المال، وأعاد استخدامه الاقتصاديان الأميركيان، جورج أكرلوف وروبرت شيلر، حائزا نوبل الاقتصاد، عنوانًا رئيسيًّا لكتابهما الشهير، الذي ناقشا فيه أهمية تلك العوامل في مفاقمة الأزمات المالية، كما حدث في الأزمة المالية العالمية 2008.

(69) يمكن القول بوجود خمس طبقات تحدد سعر الصرف في أي اقتصاد، أولى هذه الطبقات هي “الطبقة الهيكلية” التي تتعلق بالهيكل الإنتاجي والتكوين القطاعي للاقتصاد، فيما الثانية “الطبقة المؤسسية” التي تمثل إطار العمل الاجتماعي والقانوني للاقتصاد ومؤسساته الإدارية والسياسية بما ينجم عنها جميعًا من منظومة حوافز فردية وجماعية، أما الطبقة الثالثة فهى “الطبقة التجارية” التي تعكس صافي تعاملات الاقتصاد السلعية والخدمية مع الاقتصادات الأخرى سلبيًّا وإيجابيًّا، وتليها الرابعة، “الطبقة المالية”، التي تمثل الوضع المالي المباشر للاقتصاد في علاقاته داخليًّا وخارجيًّا على صعيد حركة رؤوس الأموال، أما الطبقة الخامسة والأخيرة فهي “الطبقة السيكولوجية”، التي تتجلى في النشاط السوقي الفردي المباشر عرضًا وطلبًا على العملة كأصل مالي مقابل بدائله كمخازن قيمة، على أساس التوقعات متفائلةً كانت أم متشائمة. لمزيد من التفاصيل، انظر: مجدي عبد الهادي، الطبقات الخمس لأزمة سعر الدولار في مصر، العربي الجديد، 2 مارس/آذار 2024، (تاريخ الدخول: 14 أبريل/نيسان 2024)،

https://ajd.antibk.co/economy/الطبقات-الخمس-لأزمة-سعر-الدولار-في-مصر

(70) قبل تلطيف حدة الموقف المالي والدولاري للبلد بصفقات رأس الحكمة وغيرها.

(71) لمزيد من التفاصيل حول مسارات/نطاقات السياسة الثلاثة المذكورة، انظر:

مجدي عبد الهادي، “العمل والملكية: في التوازن التاريخي للديمقراطية الاجتماعية”، مجلة الديمقراطية، (مؤسسة الأهرام، مصر، مجلد 19، عدد 76، أكتوبر/تشرين الأول 2019).

(72) عبد الرحمن بن خلدون، تاريخ ابن خلدون: المسمى العِبَر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، ضبط المتن ووضع الحواشي والفهارس: خليل شحادة، مراجعة: سهيل زكار، (لبنان، دار الفكر، 1980)، الجزء الأول، ص 354.

(73) الشريف الرضي، نهج البلاغة: وهو مجموع ما اختاره الشريف الرضي من كلام سيدنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، شرح الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، (لبنان، دار المعرفة للطباعة والنشر، د.ت)، الجزء الثالث، ص 96.

)74( Egypt doesn’t deserve a bail-out, but should get one, The Economist, Feb 1st 2024 (Accessed  14/4/224):

https://www.economist.com/leaders/2024/02/01/egypt-doesnt-deserve-a-bail-out-but-should-get-one

٭مجدي عبد الهادي، باحث اقتصادي

Magdy Abdel- Hadi, Economic Researcher