نقد الترجمة الدينية - معايرة ترجمتين للتهكم في القرآن الكريم

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 25

‫نقد الترجمة الدينية‬

‫معايرة ترجمتين للتهكم في القرآن الكريم‬

‫سعيدة كحيل‬
- ‫ عنابة‬- ‫جامعة باجي مختار‬
Summary:
The present manuscript entitled «The Translation of
sarcasm rhetoric in the Qur’an, a critical study to the French
translation of kazimirski and the English translation of Yusuf
Ali ». This paper deals with the translation of the rhetoric
phenomenon of Irony and sarcasm in the Qur'anic text from
Arabic into French by Kazimirski and into English by Yusuf
Ali.
In fact, sarcasm is almost omnipresent in the Qur'an
especially in narrative style in which Allah informs the stories
of the unbelievers especially the punishment they will face in
the hereafter.
Actually, a huge number of researches dealt with the
translation of sarcasm investigated this phenomenon in
literature. However, studies concerning The Qur'an are very
few, although the Qur’an is one of the books who has been
studied and analyzed in all the fields.
The sarcasm in the Qur’anic text is different from in
the human works as critics say, the fact that make it difficult to
any translator to maintain the ironic effects of the verses in the
target language.
This work investigates to deal with the translational
strategies based on the way French and English reflect the
different cultural and linguistic distance between them and the
Arabic text.

151 2014 ‫ جوان‬-‫ يناير‬،28 ‫ العدد‬،‫المترجم‬


‫سعيدة كحيل‬

‫‪We started our study from one main problematic in an‬‬


‫‪attempt to answer it at the end of the work: is it possible to‬‬
‫‪preserve the ironic and poetic effect when translating the‬‬
‫?‪Qur'an into English and French‬‬
‫‪This problematic leads to some secondary problematic‬‬
‫‪like:‬‬
‫‪Did translators find adequate strategies for the‬‬
‫‪transmission of sarcasm? What are these strategies? If they‬‬
‫‪failed to find ways to preserve the irony, why? Is it because of‬‬
‫‪the specific characteristics of the Qur’anic structure? Does the‬‬
‫‪French and English translation contain a loss or gain? On which‬‬
‫?‪level the loss or the gain occurs‬‬

‫الكلمات المفتاحية‪ :‬القرآن الكريم؛ نقد الترجمة؛ بالغة التهكم؛ النقد‬


‫والمراجعة؛ الحرفية؛ التصرف؛ التصريح‪.‬‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫تتعلق الدراسة بنقد ترجمة التهكم في القرآن الكريم إلى‬
‫الفرنسية واالنجليزية‪ .‬يمكننا تقسيم أغراض التهكم في القرآن الكريم‬
‫إلى أنواع لكن أغلب مقاصده بالغية‪ .‬من الصعب اإلحاطة بكل آيات‬
‫القرآن الكريم التي ورد بها التهكم أو استعارة التهكم‪ ،‬ولذلك اقتصر‬
‫جهدنا على نماذج اعتمدنا في اختيارها على تفسير القرآن الكريم‪،‬‬
‫متبعين الخطوات التالية‪:‬‬
‫‪ -‬تفسير مبسط لآلية‪.‬‬
‫ُّ‬
‫‪ -‬استخراج أركان التهكم‪ ،‬مع تحديد سبب تولد األثر السّاخر وتطبيق‬
‫نهج نقدي يبنى على المقابلة والتحليل والمعايرة‪ .‬ثم نستخلص مادة‬
‫التهكم من اآلية وندرس طريقة ترجمتها‪ ،‬ونحاكم تقنية الترجمة بطريقة‬
‫بتصرف‪ ،‬ونتتبع نسبة دقّة الكلمات والت ّعابير‬
‫ّ‬ ‫النقد‪ ،‬هل نقلت حرفيا أم‬
‫المستعملة في التّرجمتين‪ ،‬وهل أبقت كل ترجمة على المقاصد‪ .‬نحاول‬
‫في األخير دراسة كل آية بميزان نقدي يخص المجال الديني ومنه‬
‫النص القرآني الشريف‪ ،‬نبين فيه خصوصية النقد الملزم لناقد ترجمة‬

‫المترجم‪ ،‬العدد ‪ ،28‬يناير‪ -‬جوان ‪2014‬‬ ‫‪152‬‬


‫نقد الترجمة الدينية‪ :‬معايرة ترجمتين للتهكم في القرآن الكريم‬

‫معاني القرآن دون غيره من النصوص‪ .‬يمكن اعتبار تحليل الترجمة‬


‫ومقارنتها مع األصل كما هو توجه برمان مرحلة هامة من نقد‬
‫الترجمة‪:‬‬
‫‪L'analyse de la traduction, lieu d'une comparaison avec‬‬
‫‪l'original, constitue l'étape la plus importante de la critique des‬‬
‫‪traductions » Antoine Berman: Pour une critique des‬‬
‫‪traductions: John Donne, Surfaces Vol. V.04 (v.1.0F -‬‬
‫‪19/12/1995).‬‬
‫‪ -1‬نقد ومراجعة الترجمة الدينية‪:‬‬
‫اتجه بعض المنظرين على غرار بيتر نيومارك‪ ،‬إلى القول‬
‫بعدم جدوى منهج نقد الترجمة الدينية‪ .‬يقول نيومارك في مقدمة أهم‬
‫أعماله "اتجاهات في الترجمة" عن إمكانية تطوير أنظمة موثوقة‬
‫وواضحة لنقد الترجمة‪:‬‬
‫"‪ ...‬أما الموضوعات األخرى مثل‪ :‬وحدة الترجمة‪ ،‬وثبات‬
‫الترجمة‪ ،‬والخطط المفصلة لنقد الترجمة‪ ،‬فإنني أعتبرها أمورا ال أمل‬
‫‪1‬‬
‫فيها ‪ dead ducks‬فهي إما نظرية جدا أو عشوائية أكثر مما ينبغي‪.‬‬
‫كما يأتي رأي دانييل غواديك ليعزز هذا الموقف‪ ،‬حيث أشار‬
‫إلى "انعدام نهج دقيق لنقد ومراجعة جودة الترجمة الدينية وأنه ال يعدو‬
‫أن يكون مجرد تقديم تصحيح نموذجي لترجمة نص معين‪ ،‬في حين‬
‫يجدر بالقائم بالنقد والمراجعة أن يبين الفارق بين العمل المنجز‬
‫والترجمة المقبولة وأن يشرح آليات حدوث األخطاء‪ ".‬ويضيف‬
‫غواديك " في الوقت الذي نشهد فيه وفرة المراجع التي تتناول "مشاكل‬
‫الترجمة"على حساب المؤلفات التي تتطرق إلى "استراتيجيات‬
‫الترجمة"‪ ،‬فإن النقد والمراجعة ال يمكن أن تبنى سوى على احتساب‬
‫"‪2‬‬
‫حدوث األخطاء في معالجة مشاكل الترجمة‪.‬‬
‫كما أن مفهوم جودة الترجمة ‪ -‬وإن كان نسبيا‪ -‬شديد الصلة‬
‫بمفهوم كفاءة الترجمة‪ ،‬إذ تختلف جودة الترجمة من مترجم إلى آخر‬
‫نظرا الختالف كفاءته‪ .‬في الواقع يقود الحديث عن نقد الترجمة إلى‬

‫‪153‬‬ ‫المترجم‪ ،‬العدد ‪ ،28‬يناير‪ -‬جوان ‪2014‬‬


‫سعيدة كحيل‬

‫الكفاءة في نقد الترجمة‪ .‬يعد التفكير حول مفهوم كفاءة نقد الترجمة‬
‫حديثا نسبيا وال تزال النتائج المستمدة من الدراسات التجريبية حول هذا‬
‫المفهوم نادرة إلى حد ما‪ .‬وقد تطرق بعض الكتاب إلى قدرات أو‬
‫مهارات الترجمة )‪ (Lowe‬لوي‪1987،‬؛ )‪ (Pym‬بيم‪1992 ،‬؛ ‪(Hatim‬‬
‫‪ and Mason‬حاتم وميسون‪ )1997،‬في حين أشار فريق آخر من‬
‫الباحثين إلى أداء الترجمة ‪( performance‬ويلس ‪ .)1989،Wilss‬وقد‬
‫استخدم مفهوم الكفاءة في نقد الترجمة توري ‪،)1995 ،1980( Toury‬‬
‫وهي الوقوف على تقنيات واستراتجيات المترجم ودقة ترك الوقع‪..‬‬
‫وتقضل كريستيان نورد ‪ )1991( Christiane Nord‬كفاءة النقل‬
‫‪ Transfer competence‬يسميها أندرو شيسترمن‪Andrew Chesterman‬‬
‫‪3‬‬
‫(‪ )1997‬بكفاءة نقد الترجمة‪".‬‬
‫ويراقب ناقد الترجمة الدينية الكفاءة الفرعية للمعارف المتعلقة‬
‫بمعرفة المبادئ التي تحكم فعل الترجمة‪ ،‬كالعمليات واألساليب‬
‫والمناهج‪ ،‬وما إلى ذلك‪.‬‬

‫الشكل‪ :1‬نموذج باكت ‪ PACTE‬لكفاءة الترجمة (‪)2003‬‬

‫المترجم‪ ،‬العدد ‪ ،28‬يناير‪ -‬جوان ‪2014‬‬ ‫‪154‬‬


‫نقد الترجمة الدينية‪ :‬معايرة ترجمتين للتهكم في القرآن الكريم‬

‫‪ -‬ب ين نقد ومراجعة الترجمة الدينية‪:‬‬


‫ال بد أن نشير هنا كذلك إلى مفهومين رئيسيين تربطهما عالقة‬
‫وثيقة واختالف مبدئي وهما‪ :‬النقد والمراجعة‪ .‬تقول كارول ماير ‪Carol‬‬
‫‪ Maier‬في مقال لها بموسوعة الترجمة لمنى بايكر‪ ،‬إن "المراجعة‬
‫والنقد نشاطان تقويميان يقدمان استجابات مختلفة ومترابطة لألعمال‬
‫المنشورة‪ .‬إن االختالفات التي يشار إليها عادة بين هذين النوعين‬
‫تنطبق على الترجمة كذلك‪ :‬إذ يقوم المراجع بتقديم الكتب الجديدة للقراء‬
‫ووصفها لهم مصدرا حكمه عليها من حيث جدارتها بالشراء والقراءة‪،‬‬
‫أما الناقد فيعمل على كتب قد تكون جديدة أو قديمة ويقوم بتحليلها‬
‫‪4‬‬
‫بالتفصيل‪ ،‬وعادة ما يفترض معرفة القارئ بالعمل‪".‬‬
‫نستنتج من التعريف السابق‪ ،‬أن مراجعة الترجمة الدينية تعني‬
‫عملية التعليق على ترجمة جديدة ووصفها والحكم على مقروئيتها من‬
‫عدمها وبالتالي حث القارئ على اقتنائها أو العكس‪ .‬أما نقد الترجمة فهو‬
‫عملية أكثر سعة من مراجعة الترجمة‪ ،‬ويعنى بتحليل الترجمة تحليال‬
‫مفصال وتقويم الترجمات سواء كانت قد صدرت حديثا أو في وقت‬
‫سابق مع اعتبار معرفة القارئ بها فمنهج نقد الترجمة يطوع لخدمة‬
‫النص الديني بالنظر إل امتداده في الزمن وليس المراجعة‪ .‬ويمكن أن‬
‫يكون النقد أقرب من المراجعة في تقويم النص الديني في القرآن الكريم‬
‫بالنظر إلى وجوده في الزمن وأقرب إلى المراجعة من النقد باعتبار‬
‫جدة التلقي في لغات غير العربية‪.‬‬
‫هذا التعريف وإن كان يقدم لنا جوابا حول ماهية نقد الترجمة‪،‬‬
‫إال انه قد حصر المراجعة في العملية التي ينجزها المختصون في‬
‫أعقاب صدور ترجمة جديدة‪ .‬فكلمة ‪ Reviewing‬باللغة اإلنكليزية‬
‫تتضمن هذا المعنى كما تتضمن معنى التقيح كذلك‪ .‬أما المراجعة التي‬
‫يقابلها باللغة الفرنسية المكافئ ‪ Révision‬والمكافئ ‪ Revising‬أو‬
‫‪ Revision‬في اللغة اإلنكليزية‪ ،‬هي تلك المرحلة من عملية الترجمة التي‬
‫يعمد خاللها المترجم إلى مقارنة النص األصلي بالترجمة‪ ،‬سواء كان‬
‫واكبت هذه العملية الترجمة من بدايتها إلى نهايتها أم تركت في األخير‪،‬‬

‫‪155‬‬ ‫المترجم‪ ،‬العدد ‪ ،28‬يناير‪ -‬جوان ‪2014‬‬


‫سعيدة كحيل‬

‫ليقوم بالوقوف على نقاط الضعف والقوة في نصه‪ ،‬ال سيما وأن‬
‫الترجمة عمل ية كتابة ثانية لنص في لغة أخرى‪.‬‬
‫كما تمكن المراجعة كذلك من تدقيق المصطلح خاصة حين‬
‫يتعلق األمر بترجمات متخصصة ‪ -‬الترجمة الدينية في حالتنا ‪ -‬إذ يلجا‬
‫المترجم إلى التزود بالمعلومات والمصطلحات والمفاهيم المرتبطة‬
‫بمجال معرفي معين عن طريق مطالعة البحوث والمجاالت‬
‫والموسوعات المتخصصة‪ ،‬حتى يمكنه في األخير نقل مفاهيم‬
‫ومصطلحات اللغة األصل إلى اللغة الهدف دونما خطأ‪ .‬والمراجعة في‬
‫هذه الحال‪ ،‬تكون مرحلة من مراحل التقويم الذاتي ‪autoévaluation‬‬
‫التي عادة ما تلقن إلى الطلبة أثناء درس الترجمة‪ .‬وفي أحيان عديدة‬
‫أخرى‪ ،‬يلجأ المترجم إلى مترجم‪-‬مراجع ‪ traducteur reviseur‬يقوم‬
‫بقراءة نصه وتعديل ما اعوج منه‪ ،‬سواء تعلق األمر بمراجعة لغة‬
‫الترجمة أو المعلومات التي تنقلها‪.‬‬
‫كما قدم أوجين نيدا محاوال التنظير لتجربته الطويلة مترجما‬
‫للكتاب المقدس‪ ،‬ونظرا لوعيه بأهمية عمل المراجع‪ ،‬مختلف الطرق‬
‫التي ينتهجها المترجمون أثناء محاولتهم التحقق من أن الرسالة األصلية‬
‫قد نقلت بشكل جيد في اللغة الهدف‪ .‬ويطلع نا نيدا عن ما يختلج نفسه‬
‫عند التفكير حول المراجعة في الترجمة قائال‪ ":‬المراجعة أصعب من‬
‫الترجمة ( األصلية)‪ ،‬وغالبا ما تنطوي على إجراءات معقدة جدا وهو‬
‫ما يعزى عادة إلى األهداف الكامنة وراء ذلك"‪.5‬‬
‫وفي حين ذكر نيدا أن المراجعة هي واحدة من الطرق العديدة‬
‫التي تهدف إلى ضمان جودة الترجمة‪ ،‬اعتبر جيريمي مينداي هذا‬
‫المفهوم موضوع بحث في علم الترجمة قائم بذاته‪ ،‬معتبرا إياها أحد‬
‫مجاالت البحث التطبيقية المرتبطة بنقد الترجمة‪Translation criticism‬‬
‫معتمدا في ذلك على تصنيفات توري وهولمز ‪Toury et Holmes‬‬
‫لمجاالت البحث في علم الترجمة‪.‬‬
‫‪ -2‬معنى التهكم‪Le sarcasme :‬‬
‫التّه ّكم نوع من أنواع السّخرية ومن معانيه‪ :‬االستهزاء‪ ،‬ويته ّكم‬

‫المترجم‪ ،‬العدد ‪ ،28‬يناير‪ -‬جوان ‪2014‬‬ ‫‪156‬‬


‫نقد الترجمة الدينية‪ :‬معايرة ترجمتين للتهكم في القرآن الكريم‬

‫بي يعني يستهزئ بي‪.6‬‬


‫وفي لسان العرب في باب (هكم)‪ ،‬الهكم‪ :‬هو المقتحم على ما‬
‫يتعرض للنّاس بشره‪ .‬وتهكم بنا‪ :‬زرى علينا وعبث بنا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ال يعنيه‪ ،‬الذي‬
‫ّ‬
‫والتّه ُكم‪ :‬السّيل الذي ال يُطاق‪ .‬وته ّكمت البئر تهدّمت والتّهكم الطعن‬
‫ال ُمتدارك‪ ،‬وته ّكمت تغنّيت‪ ،‬وهكمت غيري تهكيما‪ ،‬وذلك إذا انبريت‬
‫تُغني له بصوت‪.‬‬
‫يتضّح م ّما سبق أن التّهكم لغة يحمل أكثر من معنى‪ ،‬فهو‬
‫يصدق على االزدراء والتّكبر والتّبختر والغيظ والتّدخل فيما يعني‬
‫الغير‪ ،‬كما يحمل معنى االستهزاء والسّخرية‪.‬‬
‫أ ّما اصطالحا فهو كل كالم أخرج ضد مقتضى الحال وهو‬
‫المقصود من استعارة التهكم في القرآن الكريم‪.‬‬
‫يعرف مارك أنجينو ‪ Marc Angenot‬التّهكم كالتالي‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪"Le sarcasme consiste à agresser l'adversaire en se montrant en‬‬
‫‪apparence bienveillant " 7‬‬
‫بمعنى " يقوم التّهكم على مهاجمة الخصم بإظهاره مظهر الخيّر"‬
‫نالحظ في ضوء هذا التّعريف أن أنجينو جعل من التّهكم‬
‫سخرية الذعة‪ ،‬لكن ورغم أن التّهكم يحتوي على عدّة صفات هي من‬
‫صفات المختلفة مثل القسوة ‪la‬‬‫ض ّم بعض ال ّ‬ ‫صميم السّخرية إالّ أنّه ي ُ‬
‫‪ méchanceté‬والسّوء ‪ la cruauté‬واالعتداء ‪.l'agression‬‬
‫يشاطر أطاردو ‪ Attardo‬في هذا التّعريف أنجينو ‪ ،Angenot‬إذ‬
‫يرى بأن التّهكم "نوع عدواني جدا من السّخرية بعالمات أو مؤشرات‬
‫واضحة وهدف محدد" (الترجمة لنا)‪ ،‬يقول أطاردو‪:‬‬
‫‪"Sarcasm is an overtly aggressive type of irony with clearer‬‬
‫‪markers or clues and clear target"8‬‬
‫كما يركز على ما إذا كان التّهكم والسّخرية يتّفقان في الجوهر‬
‫مع بساطة في االختالف أو أنّهما يختلفان في األصل‪.‬‬

‫‪157‬‬ ‫المترجم‪ ،‬العدد ‪ ،28‬يناير‪ -‬جوان ‪2014‬‬


‫سعيدة كحيل‬

‫األول‪ ،‬أي عدم وجود‬ ‫ومن الباحثين الذين يتبنّون الموقف ّ‬


‫اختالفات جوهرية بينهما نذكر دوغالس ميويك ‪Douglas Muecke‬‬
‫وغيبز وأوبرين ‪ Gibbs R & O'Brien‬كروز وروبرتس & ‪Kreuz‬‬
‫‪ Roberts‬وراندكويست ‪ Randquist‬الذي يقول ساخرا‪" :‬ال يبدو أنّه‬
‫سيكون هناك اتفاقا حول تحديد ما إذا كان الكالم ته ّكما أو سخرية"‪.‬‬
‫ومنهم من يميّز بين التّهكم والسّخرية‪ ،‬فهايمان ‪ Haiman‬يرى‬
‫أن السّخرية ال تتطلب قصدية المتكلم في حين يتطلّب التّهكم ذلك‬ ‫ّ‬
‫ويزيد على ذلك بأن السّخرية قد تكون مقامية في حين أن التّهكم قد ال‬
‫يكون كذلك وهو المنحى الذي يسلكه الباحثان سبربر وويلسون‬
‫‪ Sperber & Wilson‬في التّمييز بين السّخرية والتّهكم‪ .‬ورد التّهكم في‬
‫القاموس الفرنسي ‪ Le grand Robert‬كما يأتي‪:‬‬
‫‪"Le sarcasme est dans sa première acception, ironie raillerie‬‬
‫‪acerbe, insultante…trait d'ironie mordante et figure de‬‬
‫‪rhétorique et ironie cruelle"9.‬‬
‫يمكن اعتبار ما جاء في قاموس ‪ le grand Robert‬سردا‬
‫ي في التّمييز بين السّخرية والتّهكم هو‬ ‫لمترادفات التّهكم‪ ،‬إالّ ّ‬
‫أن الجل ّ‬
‫كون هذا األخير ينزع إلى الحدة لدرجة الشتيمة ‪ l'insulte‬واإلساءة ‪la‬‬
‫صفات التي ال تندرج في‬ ‫‪ méchanceté‬والقسوة ‪ la cruauté‬وهي ال ّ‬
‫إطار السّخرية‪ .‬وإذا اعتبرنا أن التّهكم صورة بالغية كما ورد في‬
‫قاموس ‪ le grand Robert‬فإن القواميس البالغية ال تدرجه البتّة في‬
‫خانة الصور التي تتناولها بالدّراسة‪.‬‬
‫‪ -3‬مترجما المدونة‪:‬‬
‫‪ -‬كازيميرسكي‪Albin de Biberstein Kazimirski :‬‬
‫واسمه الكامل ألبير فيلكس إيقناس كازيميرسكي ‪Albert Félix‬‬
‫‪ Ignace Kazimirski‬ويُكنّى بألبين كازيميرسكي دو بيبرشتاين‪،‬‬
‫مستشرق يهودي ذو أصول مجرية‪ ،‬ولد في مدينة كاشاو ‪Kaschau‬‬
‫ببولونيا في الثّاني من نوفمبر عام ‪ .1808‬بعد نفيه من بولندا استقر في‬
‫فرنسا وأخد الجنسية الفرنسية بعد عام ‪ .1830‬دخل مجال الدبلوماسية‬

‫المترجم‪ ،‬العدد ‪ ،28‬يناير‪ -‬جوان ‪2014‬‬ ‫‪158‬‬


‫نقد الترجمة الدينية‪ :‬معايرة ترجمتين للتهكم في القرآن الكريم‬

‫عيّن ُملحقا بالبعثة الفرنسية في بالد‬


‫وترقى بسرعة في هذا العمل حيث ُ‬
‫فارس في سبتمبر ‪ 1932‬ثم ملحقا بمكتب الوزير الفرنسي كمترجم‬
‫ترجمان رسمي في الفاتح من فيفري ‪ 1851‬ثم أمينا مترجما للّغات‬
‫ال ّ‬
‫شرقية في باريس في سبتمبر ‪ 1858‬ثم أمينا ومترجما شرفيا في الدّولة‬
‫‪10‬‬
‫الفرنسية من مارس ‪ 1983‬إلى غاية جويلية ‪. 1884‬‬
‫بعد أن تم تكليفه بمراجعة ترجمة سافاري ‪ Savary‬للقرآن التي‬
‫تعود إلى عام ‪ ،1783‬قام بوضع ترجمته الخاصة والتي نشرت ألول‬
‫مرة عام ‪ 1840‬متأثرا بأعمال سابقة لرجل الدّين اإليطالي ماراتشي‬
‫‪ Maracci‬وكذا ترجمة اإلنجليزي جورج سايل ‪ George Sale‬في‬
‫‪11‬‬
‫‪1734‬‬
‫‪ -‬عبد هللا يوسف علي‪Abdullah Yusuf Ali :‬‬
‫ولد يوسف علي في ‪ 14‬أفريل عام ‪ 1872‬في مدينة غوجارات‬
‫‪ Gujarat‬في الهند‪ ،‬ركز جهوده على دراسة القرآن إلى حين ترجمته‬
‫باإلنجليزية الموسومة بـ‪":‬القرآن الكريم‪ :‬النّص والتّرجمة والتعليق"‪.‬‬
‫‪ "The Holy Qur-an, Text, Translation and Commentary‬بدأ العمل‬
‫عليه عام ‪ 1934‬ونشره بعد أن أتمه عام ‪ 1938‬بمساعدة الشيخ محمد‬
‫أشرف في مدينة الهور ‪Lahore‬‬
‫تتميز ترجمته بلغة راقية وأسلوب جميل‪ ،‬وفيها الكثير من‬
‫األلفاظ اإلنجليزية القديمة حاول من خاللها استعمال أرقى العبارات من‬
‫أجل الرقي بترجمته إلى لغة القرآن وبالغته‪ .‬يكثر من استعمال‬
‫الهوامش والشروح‪ .‬سافر فيما بعد إلى بريطانيا حيث توفي ودفن في‬
‫المقبرة اإلسالمية في مدينة بروكوود ‪ Brookwood‬عام ‪ 1953‬بجوار‬
‫المترجم الكبير محمد مارمادوك بيكتال‪.‬‬
‫‪ -4‬الدراسة النقدية‪:‬‬
‫النّموذج األول‪:‬‬
‫َّللا َويَ ْقتُلُونَ النَّبِ ِيّينَ بِغَي ِْر‬
‫ت َّ ِ‬ ‫قوله تعالى‪﴿ :‬إِ َّن الَّذِينَ يَ ْكفُ ُرونَ بِآيَا ِ‬
‫‪12‬‬
‫ب أ َ ِليم﴾‬ ‫اس فَبَ ِ ّش ْرهُم ِب َعذَا ٍّ‬ ‫ق َويَ ْقتُلُونَ الَّذِينَ يَأ ْ ُم ُرونَ ِب ْال ِقس ِ‬
‫ْط ِمنَ النَّ ِ‬ ‫َح ّ ٍّ‬

‫‪159‬‬ ‫المترجم‪ ،‬العدد ‪ ،28‬يناير‪ -‬جوان ‪2014‬‬


‫سعيدة كحيل‬

‫‪20. Annonce à ceux qui ne croient pas aux signes de Dieu, qui‬‬
‫‪assassinent leurs prophètes et ceux qui leur prêchent l'équité,‬‬
‫‪annonce-leur un châtiment douloureux.‬‬
‫‪[3.21] As to those who deny the Signs of Allah and in defiance‬‬
‫‪of right, slay the prophets, and slay those who teach just dealing‬‬
‫‪with mankind, announce to them a grievous penalty.‬‬
‫في هذه اآلية ضرب من التهكم يكمن في استخدام لفظ البشارة‬
‫المتمثّل في فعل األمر "بشرهم" في موضع اإلنذار والوعيد على‬
‫يسر‪ ،‬يقول األصفهاني ‪:‬أبشرت‬ ‫خالف العادة‪ .‬فالبشارة هي اإلخبار بما ُّ‬
‫ي‬
‫ي فرح وأ ّ‬ ‫‪13‬‬
‫بسار بسط بشرة وجهه ‪ ،‬فأ ّ‬ ‫ّ‬ ‫الرجل وب ّشرتُه أخبرته‬
‫ّ‬
‫سرور تدخله هذه البشارة على الكفار والمنافقين وهي تحمل عذابا أليما‪.‬‬
‫فاهلل سبحانه وتعالى أراد السّخرية بالكفرة والمنافقين فأندرهم بما أعد‬
‫لهم من العقوبة على غير المألوف ليكون بمثابة توبيخ لهم‪ ،‬فهم لما‬
‫أظهروا إيمانهم وأبطنوا كفرهم استحقوا جزاء من جنس عملهم فجاء‬
‫لهم الجزاء بلفظ ظاهره الرحمة وباطنه العذاب األليم والثبور‪ ،‬فاستعار‬
‫يسر لإلنذار وهو اإلخبار بما يسيء فوقع‬ ‫ّ‬ ‫لفظ البشارة واإلخبار بما‬
‫شرهم" تتهيّأ نُفوس الكافرين لما فيه خير‬‫التّضاد‪ ،‬إذ ل ّما قال هللا تعالى "ب ّ‬
‫ّ‬
‫لكن البشارة تأتيهم بما يحرق جلودهم في النار‪.‬‬ ‫لهم ّ‬
‫المالحظ في ترجمة كازيميرسكي ويوسف علي استعمال اللّفظ‬
‫ذاته للتعبير عن البشارة‪ ،‬إذ استعمل كازيميرسكي ‪Annonce-leur‬‬
‫وجاء يوسف علي بعبارة ‪ announce to them‬وهي التّرجمة الحرفية‬
‫لهذه العبارة الفرنسية‪.‬‬
‫شرهم‪ "...‬بـ " ‪ annonce-leur‬أو‬ ‫إن ترجمة الجملة الفعلية "ب ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫‪ announce to them‬ال يسعف بالضّرورة في الحصول على التضاد‬
‫الحاصل في النّص األصلي بين البشارة والعذاب ألن الفعل ‪annoncer‬‬
‫والذي هو بمعنى اإلخبار واإلعالن قد يكون للخير وللشر معا‪ ،‬وهو ما‬
‫ال يستحضر األثر السّاخر الموجود في النّص األصلي ألن اإلخبار‬
‫بال ّ‬
‫شر والعذاب إذا لم يحصل فيه تضاد ال يولد السّخرية إطالقا‪.‬‬

‫المترجم‪ ،‬العدد ‪ ،28‬يناير‪ -‬جوان ‪2014‬‬ ‫‪160‬‬


‫نقد الترجمة الدينية‪ :‬معايرة ترجمتين للتهكم في القرآن الكريم‬

‫إن ترجمة لفظة البشارة بالبالغ أو بفعل األمر ‪annonce-leur‬‬


‫ورد عند كازيميرسكي في كل اآليات التي احتوت التبشير موضع‬
‫اإلنذار أما ترجمة يوسف علي فقد اضطربت بين ‪announce to them‬‬
‫تارة وبين ‪ "give the glad" tidings‬تارة أخرى والثانية هي التعبير‬
‫شر" في اإلنجليزية كما في ترجمته لقوله‬ ‫األدق لترجمة فعل األمر "ب ّ‬
‫ّ‬
‫‪14‬‬
‫أن لهم عذابا أليما﴾‬ ‫تعالى‪﴿ :‬ب ّ‬
‫شر المنافقين ّ‬
‫إن ترجمة البشارة في هذه اآلية بـ "‪ "give glad tidings‬أتبعه‬
‫يوسف علي بكلمة االستثناء ‪ but‬فقال‪:‬‬
‫)‪"To the hypocrites, give glad tidings that there is for them (but‬‬
‫"‪a grievous penalty.‬‬
‫شر المنافقين أن ليس‬ ‫ومع ناها عند ترجمتها ترجمة عكسية‪" :‬ب ّ‬
‫في انتظارهم سوى العذاب األليم" فجاءت البشارة هنا على ضد‬
‫مقتضى الحال مما ساهم في اإلبقاء على األثر السّاخر الذي ولّدته اآلية‬
‫في النّص األصلي على عكس اآلية األولى التي عجز كال المترجمين‬
‫عن ترجمتها بطريقة تبقي على أثرها البالغي المتمثّل في السّخرية‪.‬‬
‫شرهم" بـ ‪give glad‬‬ ‫إذن‪ ،‬فالتّرجمة الحرفية للفظة البشارة "ب ّ‬
‫"‪ "tidings‬كانت أبلغ في إيصال أثر السّخرية من العبارة الفرنسة "‬
‫‪"annonce-leur‬أو من العبارة اإلنجليزية "‪ "announce to them‬اللّتين‬
‫ال تحمالن سوى معنى اإلخبار دون تحديد حسن أو سوء الخبر‪.‬‬
‫إن ترجمة ركن التهكم "ب ّشرهم" بـ "‪"announce to them‬‬ ‫ّ‬
‫و" ‪ "annonce-leur‬انطوى على ضياع وخسارة كامنة على مستوى‬
‫الدّاللة‪ ،‬ذلك أن الحقل الداللي للفعل "ب ّ‬
‫شر" ليس ذاته الذي يؤديه الفعل‬
‫‪ announce‬اإلنجليزي أو الفعل ‪ annonce‬الفرنسي والذين يحمالن‬
‫معان عامة وأشمل من فعل األمر بشرهم الذي ورد في اآلية والذي‬
‫باإلخبار باألنباء السّارة‪.‬‬
‫يختص ِ‬
‫ونقترح بديال مناسبا للمقام ترجمة محمد حميد هللا لفعل األمر‬
‫شر" والتي جاء في ترجمتها بعبارة ‪ fais une bonne annonce,‬أو‬ ‫"ب ّ‬
‫‪ annonce une bonne nouvelle‬ومنه الجمع بين معنى التبشير في‬

‫‪161‬‬ ‫المترجم‪ ،‬العدد ‪ ،28‬يناير‪ -‬جوان ‪2014‬‬


‫سعيدة كحيل‬

:‫الفعل وداللة الخبر المناقض للبشرى‬


‫… كما‬fais-leur une bonne annonce d'un châtiment douloureux.
give them glad tidings of a " ‫يمكن اقتراح الترجمة االنجليزية‬
.‫" كبديل لترجمة يوسف علي‬grievous penalty
:‫النّموذج الثاني‬
‫سو ُل‬ َّ ‫علَى أ َ َح ٍّد َو‬
ُ ‫الر‬ َ َ‫ص ِعدُونَ َوالَ ت َْل ُوون‬ ْ ُ ‫ ﴿إذ ت‬:‫قوله تعالى‬
‫علَى َما فَاتَ ُك ْم َوالَ َما‬ ّ َ ‫يَ ْدعُو ُك ْم فِي أ ُ ْخ َرا ُك ْم فَأَثَابَ ُك ْم‬
َ ْ‫غ ًّما ِبغَ ٍّّم ِل َك ْيالَ تَحْ زَ نُوا‬
15
﴾‫ير بِ َما ت َ ْع َملُون‬ َ َ‫أ‬
َّ ‫صابَ ُك ْم َو‬
ٌ ِ‫َّللاُ َخب‬
[3.153] Behold! ye were climbing up the high ground, without
even casting a side glance at any one, and the Messenger in
your rear was calling you back. There did Allah give you one
distress after another by way of requital, to teach you not to
grieve for (the booty) that had escaped you and for (the ill) that
had befallen you. For Allah is well aware of all that ye do.
147. Tandis que vous preniez la fuite en désordre, et que vous
n'écoutiez la voix de personne, le prophète vous rappelait au
combat. Dieu vous a fait éprouver affliction sur affliction, afin
que vous ne ressentiez plus de chagrin à cause d'un butin qui
vous échappait et du malheur qui vous atteignait. Dieu est
instruit de toutes vos actions.

‫ورد التهكم في قوله تعالى ﴿فأثابكم غ ّما بغ ّم﴾ ذلك أن فيها نوعا‬
‫ فالثّواب‬،‫ فأورد لفظ الثّواب وهو للوعد في سياق العقاب‬،‫من االستهزاء‬
‫هو الجزاء الذي يعود على اإلنسان من حسن عمل ولكنّه في هذه اآلية‬
‫ فسميت العقوبة التي نزلت بالكافرين‬،‫على ضد مع ناه الحرفي األول‬
.‫جراء كفرهم وعصيانهم ثوابا على سبيل المجاز‬
ّ
there Allah did " ‫ترجم يوسف علي لفظ "أثابكم" بالجملة‬
‫" فحافظ على زمن تصريف الفعل وهو الماضي البسيط‬give you
‫ لكنه جعل مقابل الفعل "أثاب" والذي يقال في معرض‬Simple Past
‫ وهو فعل محايد معناه "يعطي‬to give ‫المكافأة على فعل حسن بالفعل‬
2014 ‫ جوان‬-‫ يناير‬،28 ‫ العدد‬،‫المترجم‬ 162
‫نقد الترجمة الدينية‪ :‬معايرة ترجمتين للتهكم في القرآن الكريم‬

‫أو يقدم" ال يحافظ على معنى التهكم في ال ّنص األصلي‪ ،‬ذلك أن الفعل‬
‫أعطى ليس الزما لألشياء الجيدة أو التي تُعتبر ثوابا وهو ما يجعل‬
‫التّرجمة تضع مقصدية التهكم التي ال تتحقّق إال بإظهار معنى الثّواب‬
‫بالغ ّم رغم استيفاء المعنى العا ّم لآلية في ترجمة يوسف علي‪.‬‬
‫فإن كازيميرسكي قد جعل من الفعل‬ ‫أما في التّرجمة الفرنسية‪ّ ،‬‬
‫‪ éprouver‬مقابال للفعل أثاب وهو بمعنى االختبار‪ ،‬أي أن عقابكم أن‬
‫تختبروا وتذوقوا العذاب بعد العذاب والغ ّم على الغ ّم‪ .‬ضف إلى هذا أن‬
‫يختص باألشياء الحسنة وال يقابل أفعال الثّواب‬
‫ّ‬ ‫الفعل ‪ éprouver‬ال‬
‫ّ‬
‫أبدا بل على العكس تماما‪ ،‬إذ ينزع أكثر إلى الشدّة عكس الثواب الذي‬
‫ينزع إلى المكافأة كما ال يسعف في الحصول على أي أثر ساخر شأنه‬
‫شأن الفعل اإلنجليزي ‪ to give‬وبهذا فكلتا الترجمتين فشلتا في الحفاظ‬
‫على أي أثر التهكم‪.‬‬
‫يالحظ في الترجمتين وجود خسارة على مستويين‪ :‬األول على‬
‫المستوى الداللي لوجود اختالف بين معاني األلفاظ المستعملة في اآلية‬
‫وعند الترجمة‪ ،‬فشتان بين معنى الفعل "أثاب" وبين معاني الفعلين‬
‫اإلنجليزي "‪ " to give‬والفعل الفرنسي " ‪ ،"éprouver‬والثّاني على‬
‫المستوى البالغي ناتج عن فشل المترجمين في الحفاظ على األثر‬
‫السّاخر لآلية‪.‬‬
‫يمكن اقتراح الترجمتين التاليتين كبديل لترجمتي كازيميرسكي‬
‫ويوسف علي‪:‬‬
‫الترجمة الفرنسية‪:‬‬
‫‪Dieu vous a fait récompenser affliction sur affliction.‬‬
‫الترجمة االنجليزية‪:‬‬
‫‪There did Allah reward you one distress after another.‬‬
‫إن اختيارنا للفعل ‪ to reward‬بديال في ترجمة النص‬
‫االنجليزي كان بسبب استعماله من المترجم نفسه في مواضع أخرى‬
‫مقابال للثوب وبذلك رأينا أنه يمكن أن يكون بديال للفعل ‪ to give‬الذي ال‬
‫ينقل التعارض الداللي الذي يحصل بين الثواب والغم‪.‬‬

‫‪163‬‬ ‫المترجم‪ ،‬العدد ‪ ،28‬يناير‪ -‬جوان ‪2014‬‬


‫سعيدة كحيل‬

‫النّموذج الثالث‪:‬‬
‫قوله تعالى‪﴿ :‬لَ ُهم ِ ّمن جهنّم ِم َهادٌ َو ِمن فَ ْو ِق ِه ْم غ ََو ٍّ‬
‫اش َو َكذَلِكَ‬
‫‪16‬‬ ‫نَجْ ِزي َّ‬
‫الظا ِل ِمينَ ﴾‬
‫‪[7.41] For them there is Hell, as a couch (below) and folds and‬‬
‫‪folds of covering above: such is Our requital of those who do‬‬
‫‪wrong‬‬
‫‪39. La géhenne sera leur lit, et au-dessus les couvertures du feu.‬‬
‫‪C'est ainsi que nous récompenserons les impies.‬‬
‫تظهر داللة التهكم في استعمال ألفاظ على ضدّ معناها األصلي‬
‫الذي ُوضعت له‪ ،‬ذلك أن لفظ المهاد والغواش باإلضافة إلى ألفاظ‬
‫أخرى كلفظ المأوى الذي ورد في آيات مماثلة كقوله تعالى‪﴿ :‬مأواهم‬
‫جهنّم وبئس المهاد﴾‪ 17‬أو قوله ﴿مأواكم النّار هي موالكم وبئس‬
‫المصير﴾‪ 18‬ال يصدق على جهنّم‪ .‬بل يُتصور في هذه األلفاظ عكس ما‬
‫تؤديه‪ ،‬فلفظ المأوى يعني المنزل‪ 19‬أو المكان الذي يُؤوى إليه‪ ،‬وآويت‬
‫له رحمته‪ ،‬أويا وإيّة ومأوية ومأواة‪ ،‬تحقيقه ‪ :‬رجعت إليه بقلبي‪ .20‬أما‬
‫لفظتي المهاد والغواش فاألول معناه الفراش ويقال للفراش مهادا‬
‫لوثارته وأصل المهد التوثير‪ .‬يُقال مهدت لنفسي أي جعلت لها مكانا‬
‫وطيئا مس ّهال‪ .21‬وأ ّما الثّاني (الغواش) فجمع غاشية‪ ،‬وهي ما يغشى‬
‫‪22‬‬ ‫اإلنسان وما يستره‪ ،‬أي ّ‬
‫يغطيه من جهة فوق‪.‬‬
‫إن ك ّل هذه المعاني غير متحققة في جهنّم‪ ،‬فأول ما يتبادر إلى‬
‫الراحة والطمأنينة والفراش‬‫األذهان عند سماع هذه األلفاظ هي صفات ّ‬
‫النّاعم الوثير‪ ،‬ولكنها جاءت في وصف جهنّم وما فيها من العذاب‬
‫والمشقّة والنّصب وبالتالي سيُدرك أن المقصود غير الحقيقة وإنما هي‬
‫السّخرية من هؤالء الكفرة وإثارة الحسرة والنّدم في نفوسهم‪ ،‬فصورة‬
‫والراحة سرعان ما يتالشى بمجرد ذكر‬ ‫الفراش الوثير والمأوى والنّوم ّ‬
‫كلمة جهنّم فهي كلمات جاءت تنزيال للتضاد منزلة التناسب بغرض‬
‫السّخرية‪.‬‬
‫من يتأمل ترجمة يوسف علي يعرف أنه استعمل تقنية‬

‫المترجم‪ ،‬العدد ‪ ،28‬يناير‪ -‬جوان ‪2014‬‬ ‫‪164‬‬


‫نقد الترجمة الدينية‪ :‬معايرة ترجمتين للتهكم في القرآن الكريم‬

‫الحرفية‪ ،‬فترجمة لفظة "مهاد" وهي إحدى لفظتين تولّدان التهكم في‬
‫اآلية بلفظة "‪ "couch‬ومعناها األريكة أو مكان الجلوس المريح أوصل‬
‫المعنى المطلوب‪ .‬أما عبارة "من فوقهم غواش"‪ ،‬والتّقدير في اآلية أن‬
‫جهنّم هي مهاد من تحتهم وغطاء وغواش من فوقهم‪ ،‬فقد جعلها يوسف‬
‫علي معطوفة على عبارة " ‪ "as a couch‬فاستعمل حرف العطف ‪and‬‬
‫وأكد على معنى الغواش التي ترجمها بلفظة ‪ folds‬ومعناها (طبقات)‬
‫واستعمل التكرار إلفادة هذا التوكيد‪ ،‬فجاء معنى اآلية عند ترجمتها‬
‫ترجمة عكسية "لهم جهنّم كفراش من تحتهم ولهم منها طبقات وطبقات‬
‫تغطيهم من فوقهم" فأوفى المعنى العام لآلية على حساب جمالية‬
‫النّص‪ .‬أما األثر السّاخر فيكاد يختفي تماما ذلك أن استعمال الحرف‬
‫"‪ "as‬الذي يقابله في العربية حرف الكاف أو أداة التشبيه "مثل" قضى‬
‫على أثر التهكم في اآلية‪.‬‬
‫ترجم كازيميرسكي لفظة "المهاد" بالقول‪ "leur lit" :‬فأصبح‬
‫معنى شطر اآلية " جهنّم هي فراشهم " وهي ترجمة توفي المعنى‪ .‬كما‬
‫شطر الثاني بنقل الغواش إلى الفرنسية بلفظة "‪"couvertures‬‬ ‫ترجم ال ّ‬
‫التي وردت في الجمع بمعنى "أغطية" لكنه لم يكتف بلفظة جهنّم التي‬
‫األول بل عاد وذكر نوع الغطاء فقال "أغطية من‬‫وردت في شطر اآلية ّ‬
‫نار" "‪ "couvertures de feu‬فأصبح معنى اآلية عند التّرجمة العكسية‬
‫إن معنى اآلية يتحقّق‬
‫"جهنّم هي فراشهم ومن فوقهم أغطية من نار"‪ّ .‬‬
‫ّ‬
‫أما الباحث عن أثر التهكم فإنه يحس بأنها أقرب إلى اللغة البسيطة منها‬
‫إلى اللّغة البليغة‪.‬‬
‫رغم توفيق المترج َمين في إيصال معنى اآلية وإبقائهما على‬
‫بعض األثر السّاخر‪ ،‬إالّ أنّهما فشال في الحفاظ على مستوى اللّغة‬
‫الرقي بأسلوبهما‬
‫وفصاحتها ليس تقصيرا منهما ولكن لعدم استطاعتهما ّ‬
‫إلى أسلوب اآلية البسيط في إدراكه ال ُمعجز في أسلوبه ومحاكاته فما‬
‫بالك بترجمته‪.‬‬
‫لقد احتوت ترجمة هذه اآلية على خسارة‪ ،‬وقعت على مستوى‬
‫بالغة النظم‪ ،‬بالغة اإليجاز‪ ،‬إال أن المال حظ أن يوسف على لجأ إلى‬

‫‪165‬‬ ‫المترجم‪ ،‬العدد ‪ ،28‬يناير‪ -‬جوان ‪2014‬‬


‫سعيدة كحيل‬

‫التشبيه لتصوير مشهد العذاب الذي أعده هللا للكافرين‪ ،‬ما جعل اآلية‬
‫تفقد جماليتها خاصة ما نتج عن وجود محسن بديعي هو الطباق في‬
‫قوله "من فوقهم" و"من تحتهم"‪ .‬هذين الظرفين وإن وجدا في ترجمة‬
‫يوسف على فإن كازيميرسكي حذف األول وعوضه بلفظ رغم أنه‬
‫يوصل المعنى إال أنه ال يعطي تلك الصورة التي احتوتها اآلية األصلية‬
‫ما جعل الترجمة تنطوي على خسارة في نظم اآلية وبالغتها‪.‬‬
‫‪ - 4‬النّموذج الرابع‪:‬‬
‫ْ‬
‫قوله تعالى‪ِ ﴿ :‬إن ت َ ْست َ ْفتِ ُحواْ فَقَ ْد َجا َء ُك ُم الفَتْ ُح َو ِإن ت َنت َ ُهواْ فَ ُه َو َخي ٌْر‬
‫ش ْيئًا َولَ ْو َكث ُ َرتْ َوأ َ َّن َّ‬
‫َّللاَ َم َع‬ ‫لَّ ُك ْم َو ِإن تَعُودُواْ نَعُ ْد َولَن ت ُ ْغنِي َ‬
‫عن ُك ْم ِفئَت ُ ُك ْم َ‬
‫‪23‬‬
‫ْال ُمؤْ ِمنِين﴾‬
‫‪[8.19] (O Unbelievers!) if ye prayed for victory and judgment,‬‬
‫‪now hath the judgment come to you: if ye desist (from wrong),‬‬
‫‪it will be best for you: if ye return (to the attack), so shall We.‬‬
‫‪Not the least good will your forces be to you even if they were‬‬
‫‪multiplied: for verily Allah is with those who believe!.‬‬
‫‪19. Vous avez désiré la victoire, ô infidèles, et la victoire a‬‬
‫‪tourné contre vous. Si vous, vous cessez de nous combattre,‬‬
‫‪cela vous sera plus avantageux. Si vous y revenez, nous y‬‬
‫‪reviendrons aussi. Votre grand nombre ne vous servira à rien,‬‬
‫‪car Dieu est avec les croyants‬‬
‫إن الخطاب في اآلية حسب ما يفهم منها موجّه إلى الكافرين‪.‬‬
‫ورد في أسباب النزول أن أبا جهل قال حين التقى القوم في معركة بدر‬
‫‪" :‬اللّهم أينا أقطع للرحم وإتانا بما ال يعرف فاحنه الغداة‪ ،‬وفي رواية‬
‫أخرى قال ‪:‬اللّهم انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين‬
‫وأفضل الدينين"‪.24‬‬
‫واالستفتاح في اآلية بمعنى االستنصار‪ 25‬وطلب النّصر والفتح‬
‫فهؤالء الكفّار دعوا هللا أن يفتح عليهم وينصرهم في غزوة بدر ظنّا‬
‫حق وأن ما جاء به محمد صلى هللا عليه وسلم لهو‬ ‫منهم أنّهم على ّ‬
‫شرهم هللا سبحانه وتعالى باستجابة استفتاحهم واستنصارهم‬ ‫الباطل فب ّ‬

‫المترجم‪ ،‬العدد ‪ ،28‬يناير‪ -‬جوان ‪2014‬‬ ‫‪166‬‬


‫نقد الترجمة الدينية‪ :‬معايرة ترجمتين للتهكم في القرآن الكريم‬

‫قائال‪﴿ :‬فقد جاءكم الفتح﴾ لكنه على عكس الفتح الذي يعرفه الجميع فكان‬
‫شر هزيمة قُتل فيها أشرافهم وضاع ما انفقوا من مال على‬ ‫أن هُزموا ّ‬
‫ُ‬
‫هذه الحرب وحاق بهم الذل والهوان‪ ،‬ومثل هذا ال يُسمى فتحا أبدا ولكن‬
‫هللا أراد السّخرية منهم حتى يبيّن فساد معتقدهم فجاءت عبارة "قد‬
‫جاءكم الفتح" على ضدّ مقتضى الحال بمعنى‪ :‬الهزيمة النّكراء‪ .‬وكيف‬
‫تكون الهزيمة النّكراء فتحا إالّ أن تأتي في قصد ساخر كهذا؟‬
‫جاء في ترجمة يوسف علي لهذه اآلية " ‪if you prayed for‬‬
‫‪ "victory‬وهي ترجمة حرفية معناها "إن تُصلّوا وتطلبوا النّصر في‬
‫دعائكم"‪ ،‬ذلك أن الفعل ‪ " to pray‬في اإلنجليزية له معنى الدعاء إذ‬
‫أن صالتهم تقتصر على الدعاء‪ ،‬لكن هذا ال يمنع من وجود فعل خاص‬
‫بالدّعاء وهو "‪ "to invoke‬بمعنى يدعو إلى هللا‪.‬‬
‫أما جملة فقد جاءكم الفتح فقد ترجمها بالقول ‪"now hath‬‬
‫‪ come to you the judgement‬وهي ترجمة حرفية حافظ من خاللها‬
‫على المعنى بدقّة‪ ،‬لكن المالحظ لهذه التّرجمة يجد أن يوسف علي‬
‫األول "إن تستفتحوا" لفظة ‪the‬‬‫ّ‬ ‫أضاف إلى ترجمة شطر اآلية‬
‫"‪ "judgement‬ومعناها الحكم فجاء معنى ترجمة اآلية "إن تستنصروا‬
‫أو تستفتحوا وتطلُبوا الحكم (من هللا)" وهو دليل على معرفة المترجم‬
‫بالتّفسير وأسباب النزول ذلك أن اآلية نزلت كما سبق وأن رأينا عندما‬
‫طلب أبو جهل الحكم والنّصر من هللا ألعلى الجندين‪.‬‬
‫تتميز هذه التّرجمة بإيصالها للمعنى وحفاظها على أثر التهكم‬
‫الموجود في اآلية أما ترجمة كازيميرسكي فت ّميزت بالتّصرف‪ ،‬ذلك‬
‫أنه جعل االستفتاح رغبة في النّصر فقال‪si vous avez désiré la ":‬‬
‫‪ "victoire‬أي إذا كنتم راغبون في النّصر‪ ،‬كما ترجم ركن التهكم "فقد‬
‫جاءكم الفتح" بغير معناه الحرفي والذي هو النّصر ‪ la victoire‬فقال‬
‫"‪ "la victoire a tourné contre vous‬ومعناها "قد جانبكم النّصر" ولم‬
‫يكن حليفكم كما كنتم تعتقدون‪ ،‬أي ترجمها باستعمال معناها المجازي‬
‫وهو ما جعل أثر التهكم الذي يظهر في اآلية يتبدد تماما في ترجمة‬
‫كازيميرسكي‪.‬‬

‫‪167‬‬ ‫المترجم‪ ،‬العدد ‪ ،28‬يناير‪ -‬جوان ‪2014‬‬


‫سعيدة كحيل‬

‫إن ترجمة عبارة "فقد جاءكم الفتح" بمعناها المجازي الذي‬


‫هو "قد جانبكم النصر"‪ "la victoire a tourné contre vous" :‬جعل من‬
‫الترجمة ضياعا على المستوى البالغي بضياع صورة السخرية وأثرها‬
‫من اآلية‪ ،‬كما توجد في هذه الترجمة خسارة على المستوى الداللي‬
‫تكمن في ترجمة عبارة "إن تستفتحوا" بعبارة ‪si vous avez désiré ":‬‬
‫‪ "la victoire‬وشتان بين االستفتاح وهو الدعاء وطلب الفتح والنصر‬
‫وبين الرغبة " ‪ "le désir‬في النصر‪.‬‬
‫الترجمة المقترحة‪:‬‬
‫إن أفضل طريقة لنقل هذه اآلية استعمال الترجمة الحرفية كما‬
‫فعل يوسف علي‪ ،‬وبالتالي يمكن اقتراح ترجمة محمد حميد هللا لعبارة‬
‫"فقد جاءكم" والتي ترجمها بـ "‪ "vous est venue‬فنقول ‪:‬‬
‫‪Si vous demandez la victoire, o infidèles, la victoire vous est‬‬
‫‪venue.‬‬
‫‪ -5‬النموذج الخامس‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫صالتكَ ت َأ ُم ُركَ أن نت ُركَ َما يَ ْعبُدُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قوله تعالى‪ ﴿ :‬قالوا يَا شعَيْبُ أ َ‬
‫‪26‬‬
‫الرشيد ﴾‬ ‫آبَا ُؤنَا أ َ ْو أَن نَّ ْفعَ َل فِي أ َ ْم َوا ِلنَا َما نَشَاء أنّك َألَنتَ ْال َح ِلي ُم ّ‬
‫‪89. Ils lui dirent: O Choaïb ! Sont-ce tes dévotions qui‬‬
‫‪t'enjoignent de nous ordonner d'abandonner ce qu'adoraient nos‬‬
‫? ‪pères, ou de ne point faire avec nos biens ce qu'il nous plaît‬‬
‫‪Cependant tu es un homme doux et droit.‬‬
‫‪[11.87] They said: "O Shu'aib! Does thy (religion of) prayer‬‬
‫‪command thee that we leave off the worship which our fathers‬‬
‫‪practised, or that we leave off doing what we like with our‬‬
‫‪property? truly, thou art the one that forbeareth with faults and‬‬
‫"!‪is right-minded‬‬
‫جاء التهكم في هذه اآلية من قوم شعيب‪ ،‬والمراد عدم إيمان‬
‫هؤالء القوم بما جاء به شعيب عليه السالم‪ ،‬وموضع التهكم في قولهم‬
‫الرشيد"‪ ،‬ولكنها ال تُفهم إال من خالل قوله تعالى‪:‬‬
‫"إنّك ألنت الحليم ّ‬
‫"أصالتك تأمرك"‪ ،‬فقوم شعيب ال يعتقدون بصحّة ما جاء به من تعاليم‬
‫المترجم‪ ،‬العدد ‪ ،28‬يناير‪ -‬جوان ‪2014‬‬ ‫‪168‬‬
‫نقد الترجمة الدينية‪ :‬معايرة ترجمتين للتهكم في القرآن الكريم‬

‫صالة تأمر بمثل‬‫ولكنهم ساقوا الكالم مساق الجاهل الذي ال يدري هل ال ّ‬


‫هذا أم ال‪ ،‬وكأنّهم يقرون بصحّة صالته مع أنّهم في قرارة أنفسهم ال‬
‫صالة وما إذا كانت تأمر وتنهى‪ .‬أما قولهم إنّك‬ ‫يعترفون بشيء اسمه ال ّ‬
‫شيء الكثير وهو اإلتيان بألفاظ‬‫الرشيد‪ ،‬ففيها من التّهكم ال ّ‬
‫ألنت الحليم ّ‬
‫صفات‬ ‫المدح في معرض االستهزاء‪ ،‬ألنّهم يقصدون من خالل هذه ال ّ‬
‫"إنّك ألنت السّفيه الجاهل‪ ،‬قال ابن عرفة‪ ،‬هذا من أشد سباب العرب‪،‬‬
‫الرجل لصاحبه إذا استجهله‪ :‬يا حليم‪ ،‬أي أنت عند نفسك حليم‬ ‫أن يقول ّ‬
‫وعند النّاس سفيه‪ .27‬فظاهر الكالم أنّهم يُثبتون لشعيب ّ‬
‫الرشد والحلم وقد‬
‫أكدوا ذلك بعدة مؤ ّكدات منها األداة ّ‬
‫"إن" والالم وتقديم المسند والجملة‬
‫ّ‬
‫االسمية‪ ،‬وهذه في حقيقة الحال كلها تقليل من شأن شعيب وحط من‬
‫والرشد ّ‬
‫الظاهر‬ ‫ّ‬ ‫قيمته‪ ،‬فهم أظهروا شيئا وأبطنوا آخر‪ ،‬فكان الحلم‬
‫بمعنى الجهل والسّفاهة على سبيل التهكم‪.‬‬
‫األول‪،‬‬
‫ترجم يوسف علي اآلية ترجمة حرفية في شطرها ّ‬
‫فنقل موضع التهكم "أصالتك تأمرك" بالقول ‪does thy prayer‬‬
‫‪ command thee‬وهي ترجمة حرفية تحتوي لفظتين من اإلنجليزية‬
‫القديمة ‪ thy:‬وتعني خاصتك و‪ thee‬ومعناها لك أو إليك‪ ،‬كما تضمنت‬
‫التّرجمة لفظة تفسيرية جاءت بين قوسين هي ‪ of religion‬ومعناها‬
‫"الدّين" أراد يوسف علي من خاللها على األرجح أن يبين أن معنى‬
‫صالة في اآلية هو الدّين بأكمله وهو بهذا قد حافظ على معنى اآلية‬ ‫ال ّ‬
‫الرشيد" فجاءت‬‫المقصود‪ .‬أما ركن التهكم الثاني "إنّك ألنت الحليم ّ‬
‫التّرجمة فيها بما يقابل‪ :‬أنت الحليم ‪" thou art forbearth with faults":‬‬
‫والرشيد‪ right-minded :‬ومعناها ذو‬
‫ّ‬ ‫أي الممتنع أو المنزه عن الخطأ‪،‬‬
‫العقل الراجح السّديد وهما ترجمتين ُوفّق فيهما يوسف علي إلى أبعد‬
‫الحدود‪.‬‬
‫جعل كازيميرسكي عبارة ‪ tes dévotions‬ومعناها "عباداتك"‬
‫مقابال للفظة صالتك وما عدا هذه اللّفظة التي استعمل فيها التصرف‬
‫األول ترجمة حرفية تُراعي لغة الهدف‬ ‫ّ‬ ‫فقد ترجم ركن التهكم‬
‫(الفرنسية) فحافظ على المعنى العام لآلية وعلى أثر التهكم‪ ،‬أما ركن‬
‫صفتين‪doux et droit :‬‬‫والرشد بال ّ‬
‫ّ‬ ‫التهكم الثّاني فترجم صفتي الحلم‬

‫‪169‬‬ ‫المترجم‪ ،‬العدد ‪ ،28‬يناير‪ -‬جوان ‪2014‬‬


‫سعيدة كحيل‬

‫ومعناهما الهادئ والصادق ترجمة سطحية ال تحمل المعاني العميقة‬


‫التي جاءت في اآلية‪.‬‬
‫نالحظ في ترجمة كازيميرسكي حصول ضياع وخسارة على‬
‫المستوى الداللي‪ .‬تُعزى هذه الخسارة إلى وجود اختالف في المعاني‬
‫بين الصفتين العربيتين "الحليم الرشيد" وبين الصفتين الفرنسيتين "‬
‫‪doux et droit‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫احتوت مدونة البحث على آيات قرآنية كيف ت ّمت ترجمتها إلى‬
‫الفرنسية على يد المستشرق الفرنسي كازيميرسكي وإلى اإلنجليزية‬
‫على يد الباحث والمترجم الهندي عبد هللا يوسف علي‪ .‬حاولنا أن نقف‬
‫عند دراسة الترجمتين على مدى أمانتهما في إيصال المعنى بدقة‪،‬‬
‫قوتها البالغية وعلى أثرها السّاخر من خالل‬ ‫ومدى حفاظهما على ّ‬
‫توظيف تقنيات الحرفية والتصرف والترجمة الشارحة نالحظ اختالفا‬
‫بين الترجمتين‪ ،‬اختالف مرجعه أوال إلى تباين أساليب كل مترجم‬
‫وطرائق نقله ألسلوب التهكم‪ ،‬والتي تميل بين الحرفية أو الحرفية مع‬
‫إضافة تفسير وشرح تارة وبين التصرف تارة أخرى كما توضحه‬
‫الجداول التّالية‪:‬‬

‫المترجم‪ ،‬العدد ‪ ،28‬يناير‪ -‬جوان ‪2014‬‬ ‫‪170‬‬


‫نقد الترجمة الدينية‪ :‬معايرة ترجمتين للتهكم في القرآن الكريم‬

‫الترجمة الفرنسية‬ ‫الترجمة اإلنجليزية‬


‫أساليب النقل‬ ‫أساليب النقل‬

‫ترجمة‬ ‫ترجمة‬ ‫الترجمات‬


‫حرفية‪/‬‬ ‫المحافظة‬ ‫حرفية ‪/‬‬
‫المحافظة على أثر‬
‫ترجمة‬ ‫على أثر‬ ‫ترجمة‬ ‫النماذج‬
‫السخرية‬ ‫تصرف‬
‫ّ‬ ‫حرفية‬ ‫تصرف السخرية‬
‫ّ‬ ‫حرفية‬
‫وتفسير‬ ‫وتفسير‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪+‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪+‬‬ ‫النموذج األول‬

‫‪-‬‬ ‫‪+‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪+‬‬ ‫النموذج الثاني‬

‫‪+‬‬ ‫‪+‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪+‬‬ ‫‪+‬‬ ‫‪-‬‬ ‫النموذج الثالث‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪+‬‬ ‫‪+‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪+‬‬ ‫النموذج الرابع‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪+‬‬ ‫‪+‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪+‬‬ ‫النموذج الخامس‬

‫‪ = -‬ال‬ ‫‪ =+‬نعم‬
‫الجدول ‪ :1‬ال ُّ‬
‫طرق واألساليب التي لجأ إليها كل ُمترجم لنقل التهكم‬

‫‪171‬‬ ‫المترجم‪ ،‬العدد ‪ ،28‬يناير‪ -‬جوان ‪2014‬‬


‫سعيدة كحيل‬

‫الترجمة الفرنسية‬ ‫الترجمة اإلنجليزية‬


‫عدد ونسبة‬
‫تواتر كل أسلوب‬
‫عدد تواتر‬ ‫عدد تواتر‬ ‫أساليب وطرائق الترجمة‬
‫نسبة تواتره‬ ‫نسبة تواتره‬
‫كل أسلوب‬ ‫كل أسلوب‬

‫الترجمة الحرفية ‪/‬‬


‫‪40 %‬‬ ‫‪06‬‬ ‫‪86.66 %‬‬ ‫‪13‬‬
‫الترجمة الحرفية ‪ +‬تفسير‬

‫‪60 %‬‬ ‫‪09‬‬ ‫‪13.33 %‬‬ ‫‪02‬‬ ‫الترجمة بالت ّصرف‬

‫الجدول ‪ :2‬عدد ونسبة تواتر كل أسلوب في الترجمة‬


‫يمثل الجدول الثاني إحصاء عاما لعدد مرات تواتر كل أسلوب‬
‫ونسبتها في الترجمتين لتبيين األسلوب الغالب عند كل مترجم‪ ،‬إذ‬
‫يالحظ أن الذي يطغى على ترجمة يوسف على الترجمة الحرفية أو‬
‫الترجمة الحرفية وهو ما يمثل نسبة ‪ %86.66‬من هذه النماذج مقابل‬
‫مرتين فقط لجأ فيهما إلى التصرف في الترجمة وهو ما يمثل نسبة‬
‫‪ %13.33‬منها‪ ،‬في حين غلب على ترجمة كازيميرسكي التصرف‬
‫حيث بلغ عدد النماذج التي ترجمها باستعمال التصرف بنسبة ‪% 60‬‬
‫مقابل نماذج ترجمها ترجمة حرفية أو ترجمة حرفية باستعمال‬
‫الترجمة الشارحة وهو ما يمثل نسبة ‪.% 40‬‬
‫إن الترجمة الحرفية سواء كانت بالنقل الحرفي أو بإضافة‬
‫أوتصريح تواترت بكثرة عند يوسف برغم ما يعاب عليها من قصور‬
‫في تلبية أفق انتظار قارئ لغة الهدف نتيجة لالختالف الثقافي‪ ،‬كما أن‬
‫الترجمة الداللية بحسب توجه بيتر نيومارك والتي تتجلى في تصرف‬
‫كازيميرسكي في معظم اآل يات ال تسعف بالضرورة في نقل المعاني‬
‫الدقيقة والدالالت العميقة التي تحتويها كل آية بل كل لفظة في القرآن‬

‫المترجم‪ ،‬العدد ‪ ،28‬يناير‪ -‬جوان ‪2014‬‬ ‫‪172‬‬


‫نقد الترجمة الدينية‪ :‬معايرة ترجمتين للتهكم في القرآن الكريم‬

‫الكريم وهو ما من شأنه أن يبدد معناها الخاص ناهيك عن بالغة كل آية‬


‫وأثرها وجمالية التهكم فيها‪.‬‬
‫إن نماذج التطبيق وإن كانت وفية للمعنى العام في الغالب‪ ،‬فإن‬
‫وفائها وحفاظها على المعنى األول للتهكم تفاوت عند الترجمة‪ ،‬فيُوسف‬
‫علي نجح في الحفاظ على األثر السّاخر للنّص األصلي بنسبة ‪%53.33‬‬
‫من اآليات وفشل بنسبة ‪ ،% 46.66‬في حين لم يُوفّق كازيميرسكي في‬
‫الحفاظ على أثر التهكم سوى بنسبة ‪ % 20‬وفشل بنسبة ‪.% 80‬‬
‫إن الحفاظ على أثر التهكم في اآليات غير مقترن بالضرورة‬
‫بحرفية أو تصرف المترجم بقدر ارتباطه باختياره الدقيق للمفردات‪،‬‬
‫أن كازيميرسكي الذي لم يوفق في ترجمته قد اعتمد تقنية‬ ‫ودليل ذلك ّ‬
‫التصرف بتصرف في حين أن يوسف علي‪ ،‬والذي نجح مقارنة به‬
‫اختار تقنية الحرفية حافظ فيها على التضاد والتعارض الداللي‪.‬‬
‫يتضمن القرآن الكريم شواهد كثيرة للتهكم‪ ،‬مثل قوله تعالى‪:‬‬
‫{قل تمتّع بكفرك قليالً إنك من أصحاب النار} (الزمر‪ ،)8 :‬وقوله‬
‫تعالى‪{ :‬فما أصبرهم على النار} (البقرة‪ ،)175 :‬وقوله تعالى‪{ :‬هذا‬
‫نزلهم يوم الدين} (الواقعة‪ ،)56 :‬وقوله تعالى‪{ :‬كلما نضجت جلودهم‬
‫بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب} (النساء‪{ )56 :‬كتب عليه أنه من‬
‫تواله فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير} (الحج‪ )4 :‬وإن نقد ترجمة‬
‫هذه النماذج بالذات في اللغتين الفرنسية واإلنجليزية تكشف عن بالغة‬
‫التهكم في القرآن الكريم بما ال يعادله في غيره من الكتب السماوية أي‬
‫أن استغالل منهج نقد الترجمة بالتحليل من التفسير والمقابلة وتقديم‬
‫البدائل يعزز القول بإعجاز القرآن الكريم‪.‬‬
‫مدونة البحث‪:‬‬
‫‪ -‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪................................................................................ .................................‬‬
‫‪- M. Kasimirski, Le Koran, Paris Charpentier, 1869.‬‬
‫‪- Abdullah, Yusuf Ali, The Holy Qur’an, Lahore, India, 1938.‬‬

‫‪173‬‬ ‫المترجم‪ ،‬العدد ‪ ،28‬يناير‪ -‬جوان ‪2014‬‬


‫سعيدة كحيل‬

:‫هوامش‬
‫ ترجمة‬،‫ جوانب من نظرية الترجمة‬،‫ اتجاهات في الترجمة‬،‫ نيومارك بيتر‬-1
‫ المملكة‬،‫ دار المريخ‬،‫ جامعة الملك سعود‬،‫الدكتور محمد إسماعيل صيني‬
.11‫ ص‬،1986 ،‫العربية السعودية‬
2- Gouadec Daniel, Traduire - Stratégies de la traduction entre
l'anglais et le français - Essai de définition d'un modèle de
formation des traducteurs - Métiers des langues/Langues des
Métiers - La Maison du Dictionnaire, 2001, p930.
3- Montalt Ressurrecció, P. Ezpeleta Piorno, I. García
Izquierdo, The Acquisition of Translation Competence through
Textual Genre, in The Translation Journal, Volume 12, N.04,
October2008.
http://translationjournal.net/journal/46competence.htm
4- Mona Baker, Reviewing and Criticism, Routledge
Encyclopedia of Translation Studies, p205.
5 - Lee Hyang, « Révision : Définitions et paramètres », in
Meta, vol. 51, n° 2, 2006, p.411.
‫ مراجعة‬.‫ النهاية في غريب الحديث واألثر‬.‫ المبارك بن محمد‬،‫ ابن األثير‬-6
.278 ‫ ص‬،1979 :‫ بيروت‬.‫طاهر الزاوي ومحمد الطباخي‬
7- Angenot, Marc. La parole pamphlétaire : typologie des
discours modernes. Paris : Payot. 1982, p278.
8- Attardo, Salvatore. Irony in Language and Thought. New
York: Taylor and Francis Group, 2007, p137.
9- Le Grand Robert de la langue française. Dictionnaire
alphabétique et analogique de la langue française. Version
électronique.
10- Grand dictionnaire universel du XIXe siècle: français,
historique, géographique, vol. 17, p. 1479.
11- Loc-cit.

2014 ‫ جوان‬-‫ يناير‬،28 ‫ العدد‬،‫المترجم‬ 174


‫نقد الترجمة الدينية‪ :‬معايرة ترجمتين للتهكم في القرآن الكريم‬

‫‪ -12‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.21‬‬


‫‪ -13‬الراغب األصفهاني‪ ،‬الحسن بن محمد‪ .‬مفردات في غريب القرآن ‪.‬‬
‫تحقيق محمد سيد كيالني‪ .‬بيروت‪ :‬دار المعرفة‪ ،‬ص‪.48‬‬
‫‪ -14‬سورة النساء اآلية ‪.138‬‬
‫‪ -15‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية رقم ‪.152‬‬
‫‪ -16‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.41‬‬
‫‪ -17‬سورة الرعد‪ ،‬اآلية ‪.18‬‬
‫‪ -18‬سورة الحديد‪ ،‬اآلية ‪.15‬‬
‫‪ -19‬لسان العرب‪ ،‬مادة أوى‪.‬‬
‫‪ -20‬الراغب األصفهاني‪ .‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.34‬‬
‫‪ -21‬لسان العرب‪ ،‬مادة مهد‪.‬‬
‫‪ -22‬الثعالبي‪ ،‬عبد الرحمن‪ .‬الجواهر الحسان في تفسير القرآن‪ .‬بيروت‪:‬‬
‫مؤسسة األعلمي‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪ -23‬سورة األنفال‪ ،‬اآلية ‪.19‬‬
‫‪ -24‬الواحدي‪ ،‬أسباب النزول‪ .‬عناية ‪ :‬وليد الزكري‪ .‬بيروت‪ :‬المكتبة‬
‫العصرية ص ‪.123‬‬
‫‪ -25‬الرازي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.205‬‬
‫‪ -26‬سورة هود‪ ،‬اآلية ‪.87‬‬
‫‪ -27‬ابن منظور‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.146‬‬

‫‪175‬‬ ‫المترجم‪ ،‬العدد ‪ ،28‬يناير‪ -‬جوان ‪2014‬‬

You might also like