نظرية الماريونيت
By يسرا النوبي
()
About this ebook
Related to نظرية الماريونيت
Related ebooks
بحار المشاعر السبعة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsلص يطرق الأبواب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأنت لا تقرأ رواية بل أحاسيس Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsموت على قيد الحياة: قصص قصيرة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsخبايا الماضي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالقلب الذي عرف السر Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsعفريتة قطار منتصف الليل Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsشرائط الساتان Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsلي أنا أولاً Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsكونسيلر Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsاستكانة: الإهانة في الحب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsإني بريء منكم Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالسراب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsإلى ما لا نهاية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsحب مستحيل Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsهواء فاسد Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsانتحار شرعي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمن فعلها؟ Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمرايا الشيطان Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsلعنة الذاكرة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsخزامي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsشياطين خرس Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsنصف رجل Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsورد Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsشقة جاردن سيتي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsإيست Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsكليمنجارو Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsيوفوريا Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsجزيرة الأرواح المعلقة: ما وراء النفس Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsقسمة الروح Rating: 0 out of 5 stars0 ratings
Related categories
Reviews for نظرية الماريونيت
0 ratings0 reviews
Book preview
نظرية الماريونيت - يسرا النوبي
بين مطرقة الكمالية وسندان الخوف
لا تدع خيوطك بين أصابعهم
الكمالية
كل ما لا يقتلني، يجعلني أقوى
الفيلسوف فريدريك نيتشه
لا تخافوا من الكمال، فلن تصلوا إليه قط
سيلفادور دالي
أبرز نقاط قوتك الكامنة رغم نقصانك وأعلم أن الكمال لم يخلق للبشر
يسرا النوبي
المثاليون!!!!
من فضلكم تنحوا جانبًا فتلك الرواية ستزعجكم...
المتعافون!!!!
رجاءً تصالحوا مع أخطائكم السابقة ولا يرهبكم صنع أخطاء جديدة ما دمنا نحاول لصنع الأفضل.... فنحن نستحق تلك السكينة ولا شيء يدوم على الإطلاق.
يسرا النوبي
perfectionism
(1)
استهلال
أيهم أشد قسوة:
أن يتوقف قلبك أم أن يتوقف عقلك؟
الأولى ستفقدك حياتك أما الأخرى فستفقدك التحكم في حياتك.
***
منتصف أغسطس 2014
منتصف الصدمة
وقفا الطبيب وزوجته في غرفة العمليات على جانبي الفراش الذي ترقد عليه المريضة وهما يخبراها بقسوة ارتسمت على وجهيهما قبل نبرة صوتهما بحتمية الإجهاض، كيف لجنين بعمر الستة أشهر أن ينجو بعالمنا؟! إنه ناقص غير مكتمل ... هل تعلمي يا عزيزتي معنى أن يكون مكتمل؟!
هو أن يخلق مثلنا نحن كما نحن خلقنا بنفس نموذجنا المثالي دون نقص .. لكن هذا لا ينتمي لنا، حتمًا لن ينجو ومن المؤكد أننا لن نضيع وقتنا الثمين في محاولات عبثية لانقاذه، أنت تعلمين أن هذا الجنين لا يصلح للحياة فهو لم يسر وفقًا للمعايير المطلوبة فحتمية إجهاضه لا جدال فيها.. هل تريدين جنين ناقص تعاني معه جراء نقصانه نحن ننقذك من هذا الألم. قبلنا به على مضض ومصمصنا شفاهنا بحنق وفي النهاية هو من أوقع نفسه بنفسه وقطع الحبل السري بأسنانه اللبنية التي لم تخلق بعد، أعطيناه الفرصة وأبادها ببلاهة لم نعهدها من قبل.
انظري معاييرنا واضحة كقرص الشمس كيف تجاهلها ولم يكترث بها؟!
في الواقع هو أقل من إن يراها في الأساس.. أخذ فرصة لم تكن من نصيبه ولم يكن هو جدير بها وأنت من أرغمتنا على ذلك فأغمضنا أعيننا وقبلنا بطلبك رغم إخلاله بشروطنا المطلوبة، كيف الآن ترغبين في بقائه بعد ما حدث؟ ستظل فعلته وصمة عار في تاريخنا ستلاحقنا في حاضرنا ومستقبلنا هل هذا ما تريدينه حقًا لنا؟! هل هذا سيرضيكى؟
توسلت لهما الأم بدموع منهمرة بأن يرحما جنينها ولكن خوفها يمنعها وهو قابع فوق ثغرها يحاول أن يخرس توسلاتها وينذرها بجدية:
_ لا تحاولي أن تتفوهي بكلمة واحدة، لقد تركتك حين أرغمتني على الرحيل وها أنتِ الآن تجنين ثمرة غيابي.. عدت اليوم لأساندك فلا ملجأ لك سواي ربما الآن ستعين قيمة وجودي بجوارك.
نظرت له بحزن دفين وأمالت برأسها على صدره باستسلام ولازالت دموعها تظهر توسلاتها ببعض الأمل في بقائه....
فانزعجت الأم من نظراتها الآملة في رحمتهما بجنينها وصرخت في وجهها قائلةً:
_ أهذا خيارك؟ أهذا أقصى طموحك؟! جنين بائس يائس فقير معدم انظري إلى وزنه وراقبي إنه يتضاءل في وقت ننتظر به الزيادة والوفرة، بالتأكيد لم يتغذى جيدًا كيف سيتغذى وأبويه فقيران معدمان وأدنى من أن يحصلا سوى على لقيمات صغيرة تصله عبر الحبل السري هما أفقر من أن ينجبا سوى البؤس والكمد.. لا مجال للنقاش اليوم ولا عليك سوى الخضوع والامتثال لأمرنا... نحن دومًا على صواب ولا نرغب سوى بالصالح للعائلة ولنا وبالطبع لكي.
لا زالت حائرة بين بقائه وقتله ترى في بقائه عالمها الخاص وفرحتها وحياة بأكملها رسمتها على جدران منزل الأحلام بألوان زيتية براقةً، وترى في قتله فقد كل شيء ماعدا إرضائهم وسمعتهم وسمعة العائلة هل ستستسلم كعادتها المتأصلة والتي تتفوق دومًا في اختباراتها بجدارة نظرًا لسهولتها أم ستختار الأصعب؟
***
على الرغم من حرارة أغسطس وشمسها اللاسعة التي تراها من وراء زجاج نافذة غرفة نومها وهي تحاول أن تخترق فواصلها وثنايا الستارة بفضول قاتل لتراقب فتاة الغرفة الثلجية وتسأل باستنكار:
_أرأيت يوما ثلجًا لا يذوب بحرارتي؟! حرارتي التي باستطاعتها أن تحول كوكب ثلجي إلى كوكب عامر بالدفيء... ثم صرخت غاضبة
هل رأيت.... أجبني؟!
_نعم رأيت.. ها هنا قابع أمامك على حافة الفراش... نعم هي فتاة الغرفة.
كانت تجلس على حافة فراشها بعد أن اجتاح كيانها عاصفة ثلجية أرغمتها على الركض والركض إلى أن اكتظت رئتيها بالهواء المثلج وكادت تنفجر ترى شمسها ساطعة ولكن سطوعها اليوم على استحياء يبدو مألوف لها، ولكنه لم يعد كذلك منذ شهور فماذا حدث؟! من أعاد ذلك الشعور البغيض... شعورها بالوحدة والنبذ والانصياع والخوف؟
هل الخوف حضر بالفعل؟!!!
ربما لم يغادر منذ البداية هو فقط تخفى ولم يعلن ظهوره.. وها قد ظهر.
لما شمسها تغيرت وشروق يومها تبدد اليوم وعادت تلك الأحاسيس بداخلها تؤرقها؟!، لم تعد تشعر بدفئها بعد تلك العاصفة التي أثلجت عالمها بالكامل وجمدته.. تشعر ببرودة قلبها وروحها وهي تحمل الصدمة وخيبة الأمل، قرار الطبيب وزوجته وقع عليها كالشهب قضى على كل أحلامها في لحظة.
مهلًا لِمَ لم يكن بناء الأحلام بتلك البساطة في لحظة أيضا كهدمها؟؟.. لما البناء أصعب دومًا من الهدم؟!
أين ذهب الطائر المغرد الذي كان يتغنى في السماء منذ سويعات قليلة يصنع عشه بعيدان من القش الملونة وهو يغرد ويطرب من حوله بألحانه ليجد فجأة حائط صخري يتوسط عالمه فيصطدم به ويسقط أرضًا وهو يتلوى مكسور الجناح... وعيدان عش أحلامها تناثرت من حولها وتحطمت.
كيف بين اللحظة والأخرى أن يتبدل كل شيء؟ تنتقل من حال لآخر، قدرك، حاضرك، مستقبلك، أحلامك وحتى الأشخاص من حولك.. تسحب أحدًا وتدفع أحدًا رغمًا عنك وما عليك سوى المشاهدة مسلوب الإرادة ليأتي القبول بالاستسلام في النهاية.
ما هي سوى لحظة تسقطك بينما أنت محلق في السماء لتطرحك أرضًا مكسور العنق، الآن صدر قرارها المصيري الذي سيغير مجرى حياتها وحياة من تعلق قلبها به وهو قرار وأد جنينها الذي لم يكمل سوى الستة أشهر كان الأمر كالصفعة التي أذابت نصف رأسها بالكامل.
تحسست بيدها قلبها المتألم والذي يكمن بداخله جنينها الغير مكتمل وهو ينازع الموت فانسابت على جفنها دمعة فجعة.
يريدون وأد حبها لأنه غير مكتمل؟!
تساءلت مغتمة:
_ ما الذي اقترفته ليسحق القدر أحلامها بتلك القسوة؟
كان حلمها بسيط لم يختلف عن حلم الباقيات فقط فتى أحلامها وحب يروى أرضها المتصحرة وينزعها من تلك الوحدة وسخط كل من حولها عليها هل هذا بالكثير؟!
بحثت عن بعض الدفء بعد أن عجزت شمس أغسطس أن تذيب ثلوجها.. بحثت ثم بحثت ربما لو تمكنت من الحصول على البعض ستستعيد قدرتها على اتخاذ القرار.
جلست القرفصاء تناجي عقلها وتتوسله:
أرجوك فكر وتروى في قرارك..
لكنه صخرة عاطلة عن العمل.. ترجته أن يعود لوعيه ليجد لها حلا ينقذها وينقذ جنينها من الضياع لكن دون جدوى.
الخوف عم أرجاء الغرفة وفرض سلطته، دقات الساعة في أذنها تذكرها بالعد التنازلي لتلاشي كل شيء.. تشتت ذهنها بأشعة الشمس التي تثير حنقها لعجزها عن المساعدة، نهضت وتوجهت نحو النافذة وأسدلت الستارة الداكنة المعتمة كمستقبلها لتظلم الغرفة وتدفع التشتت بعيدًا عنها.
هيا أيها الشارد اعمل.. لو كنت إلكترونيًا لأعدت ضبطك مرة أخرى... هل أصابك لعنة أم أنا اللعنة بذاتها كما تقول والدتي؟
تكومت متخذة وضع الجنين على فراشها وضمت قدميها إلى صدرها وأسدلت جفونها فرأت ظلمة من نوعًا آخر أكثر هدوءًا ثم ذاب من حولها كل الضجيج والأحلام والأمنيات والصدمات.. العقل يرغب ببعض الراحة ربما الأمر برمته كابوس يعكر صفو أحلامها الوردية.
غطت في نومها وهي تبحث بين طيات اللاوعي على وعيها المفقود لينتشلها من هذا الكابوس البشع، لساعات ولا زال الكابوس يلاحقها ترى جنينها راقد في دمائه بعد أن قتلوه وأرغموه على تسليم روحه فانتفضت في ذعر لتجد الصمت يعم المكان والوعي ما زال مفقود.. أضاءت غرفتها ونهضت جالسة متسائلة:
ماذا حدث؟
فمرت الأحداث الأخيرة تباعًا أمام عينها.. صرخت بلسان حالها متسائلة مرة أخرى:
ماذا سأفعل؟
أجبني!!!!!!..
ما زال عقلها صامتًا، مصدومًا، متوقف.
نهضت وتوجهت إلى المرحاض لا تعبأ بالأشباح الهائمة حولها وهي تصرخ بوجهها وتثور بغضب، أصواتهم صاخبة تكاد تثقب أذنها ولكنها تجاهلتهم وأكملت طريقها دون استسلام لينتهي بها المطاف أسفل الصنبور وهي تضع رأسها لتسقط عليها المياه وتجرى بين ثنايا شعرها ربما تذيب تلك الكتلة الثلجية ويعود عقلها لوعيه؟
مرت ثلاث ليالي على هذا النحو دون جديد صمت، عزلة، فراغ، استغاثات جنينها، ثورة الأشباح، لامبالاة، عقل متوقف وقلب متألم وذكريات سعيدة ومشهد مدمر
وفي النهاية!
قرار هادم وصادم قلب كل الموازين وأعادها لزنزانتها القديمة لتعاني بمفردها وهي تبتلع رذاذ بخاختها بنهم لعلها تجد بصدرها متسع يحتويها.
أخيرًا برق عقلها بضوء خافت من الأمل، ربما تلك الفكرة هي التي ستنقذها وتعيد حق جنينها في الحياة هذا هو أملها الوحيد المتبقي... رجاءً لا تعبثي بها فهى طريق النجاة الأخير.. التقطت هاتفها الصامت منذ أربعة أيام وتخطت كل المكالمات الفائتة دون اهتمام وتوجهت مباشرة صوب رقم محدد.. ثواني.. صوت رنين.. ثم جاء صوته الدافيء في النهاية
_ والد الجنين؟
_ نعم أنا.
حادثته في أقل من دقيقة ثم أغلقت الهاتف ونهضت مسرعة نحو خزانتها، ثم بدلت ملابسها وغادرت.
*****
الصعود للقمة
(2)
قبل ستة أشهر
السبت 22 فبراير 2014
دفعت إيناس الباب الزجاجي المعلق عليه لافتة بيضاء كتب عليه بالإنجليزية push
وتوجهت إلى داخل الصيدلية بحذر كانت تلك الصيدلية المقابلة لمسكنها الجديد الذي انتقلت إليه مع عائلتها بالأمس بفرمان من والدتها لا نقاش فيه، خطت نحو المكتب الذي يتوسط الصيدلية بهدوء والجالس على رأسه شاب كان يضع بداخل أذنيه سماعات متصلة بهاتفه، كان يستمع إلى أحد برامجه الإذاعية الأجنبية المفضلة والتي تناولت موضوع الخيانة اليوم.. أنهى المذيع محادثته الهاتفية مع فتاة ثم أذاع أغنية Adele (Rolling in Deep) وبينما هو مندمج بعالمه شعرت هي وكأنها وسط غرفة فارغة أو ربما غير مرئية بعد أن لم يعرها الشاب أي انتباه من الأساس فتنحنحت بصوت عالي وبادرت:
_لو سمحت!!!!.
في تلك الأثناء كان مصطفى يريح رأسه إلى الخلف مغمض العينين وهو يستمع للأغنية باندماج وفجأة جاء صوت تداخل مع كلمات الأغنية في أذنه ففتح عينه بسرعة ليجد فتاة تقف أمام المكتب، فاتضح أن مكان عمله لا يصلح للراحة من مجهود المذاكرة الذي بذله طوال الليل واغتصب منه ساعات نومه، كان مصطفى شاب في الثامنة والعشرون من عمره ببشرة سمراء وشعر قصير أسود، وجهه مستدير وعيون ضيقه، طوله تعدى المائة وخمسة وثمانون سنتيمتر وكتفيه عريضين جسد يليق بالصاعقة ولكنه تخرج من كلية العلوم منذ بضع أعوام ويعمل في تلك الصيدلية كعمل مؤقت وكأنه يخطو عتبة من عتبات سلم طموحه إلى أن ينهي دراساته العليا ويحقق حلمه، أزال السماعات بعجالة في حرج ونهض من مكانه وعلي الرغم من صغر حجم السماعات إلا أن صوتها دوي وأصبح مسموعًا للفتاة فأعجبت بذوقه حين التقتطت أذنيها كلمات الأغنية
You had my heart inside your hand
And you played it , to the beat
حينها اقترب مصطفي نحو الأمام خطوة ليستمع لطلبها وقد استشعرت خجله الواضح عليه فارتبكت أكثر كأنها أخطأت حين فاجأته بدخولها فقطع ارتباكها وبادر قائلًا:
_ أنا آسف معلش... حضرتك تؤمري بإيه؟
زاد ارتباكها بعد سؤاله بعد أن تذكرت طلبها المراد فتفوهت بتردد وصوت بالكاد يسمع:
_أنا.. كنت عايزة....
صمتت والتفت فجأة وولته ظهرها فأعاد السؤال:
_ حضرتك عايزة حاجة معينة؟
لم تجبه
ماذا تريد هذه الفتاة وما الذي يشعرها بكل هذا الارتباك؟ سؤال طارده في صمت.
ربما طلبها يتمثل في الأغراض النسائية فالكثيرات يخجلن من الذكور عند طلب تلك المنتجات ولكنها في النهاية ستظل منتج كسائر المنتجات، رغب في أن يقدم يد العون بإعادة السؤال مرة أخرى ولكن توجس في رغبته أنها ستزيد إحراجها فربما تأتى المساعدة في هذه المواقف بأن لا نساعد.. مرت ثواني قليلة بدت طويلة يراقب توترها بينما هي تلعن ارتباكها وأغراضها النسائية والأمر كله متضمنة سكنها الجديد الذي جاء الآن كلعنة حلت على رأسها... فلقد جاء بحياة جديدة بالكامل وأشخاص وأماكن يجب أن تعتاد عليهم.
فيلا جديدة بمدينة حديثة العهد وأيضًا صيدلية جديدة بطبيب مجهول الهوية وذهبت تلك الطبيبة صديقتها وجارتها في الصيدلية التي اعتادت عليها وعاشت معها ذكريات تعدت الربع قرن مع الريح، كل ما يتوجب عليها الآن أن تعتاد على تلك الأشياء وتعيش معهم البدايات مرة أخرى إلى أن تألفهم.
تيقنت بأنها لا بد من أن تنهي تلك اللحظة الحرجة بأقل الأضرار فاستدارت تجاهه وهي تواري خجلها خلف خصلة انسابت قرب عينها لتعيدها خلف أذنها وتساءلت:
_ هو ما فيش دكتورة هنا؟
أيقن بسؤالها صحة أفكاره فأجابها:
_ الدكتورة سلمى خرجت في مشوار ثم لمحها خارجًا من وراء الباب الزجاجي تعبر الشارع في طريقها للصيدلية فأكمل:
_ عمومًا هي وصلت أهي وثواني وتبقى مع حضرتك.
وصلت سلمى الصيدلية فدلفت وألقت التحية:
_ مساء الخير.
فأومأ إليها مصطفى على الفور بحركة تفهمها بأن تلك الفتاة تريدها فتوجهت لها إيناس وهي تشكر الله على إنقاذها من هذا الموقف وهمست لسلمى بمرادها كمن يبتاع أدوية مخدرة.
ظل مصطفى يراقبها بطرف عينه وهو يتصنع انشغاله بترتيب المكتب أمامه وقد وضع إحدى السماعات بأذنه وترك الأخرى حرة لعلها تلتقط شيئًا مهمًا، كان الفضول يلاحقه ويدفعه نحوها ولم ينتهي عند معرفة طلبها بل واصل طريقه نحو صاحبة الطلب التي شغلت باله.
وجه جديد غير مألوف يطرأ عليه للمرة الأولى فمنذ انتقاله لفرع الصيدلية الجديد في تلك المنطقة منذ عام ونصف وهو يعي جيدًا المنطقة والوجوه التي تطرأ عليه لأنه حين جاء إليها كانت في بداية تعميرها ولم ينتقل إليها فردًا أو أسرة إلا وقد مروا على صيدليته نظرًا لقلة عددهم في تلك المنطقة الحديثة وبات يحفظ عناوينهم التي يسجلها في حاله طلب إيصال طلباتهم للمنازل.
ولكن تلك الفتاة كانت كالنبتة الجديدة في حقله فدفعته لوضعها تحت عدسة مجهرية ليتفحصها ويستخرج كينونتها المجهولة حتى الآن، لكن لصاحبة الوجه الجديد وقع مغاير وقع بلمسة سحرية جذابة منذ الوهلة الأولى لمسة كومضة مترقرقة.... تتبعها تتبع المسير لا المخير.
حين ذهبت سلمى لإحضار طلبها تلاقت نظراتهما رغمًا عنها وعنه فأشاحت بوجهها بعيدًا عن نظراته وهي تلقيه أرضًا محاولة أن تدفن خجلها في جوف الأرض، كم تمنت في تلك اللحظة أن تلقى عليه بتعويذة تفقده ذاكرته المؤقتة وكأنه لم يراها أو أن تحمل آلة الزمن وتعود للخلف بضع دقائق متفادية ذلك السخف الذي بدر منها لتلقى سلمى منذ البداية، ثواني وتأكدت هواجسه الخفية حين أتت سلمى بطلبها وهي تضعه في حقيبة بلاستيكية فالتقطت إيناس الحقيبة ودفعت المقابل للطبيبة وهرولت إلى الخارج كالهاربة.
أمسك هاتفه وأستأذن سلمى الخروج لعمل مكالمة هاتفية ولكي يتسنى له الإلحاق بها فلحق بها بالفعل أخيرًا قبل أن توشك على الاختفاء، وضع هاتفه على أذنه اليمنى وتصنع محادثته مع أحدهم وهو يراقب خطاها وهي تعبر الشارع إلى الجهة الأخرى إلى أن وصلت إلى أعتاب الفيلا المواجهة للصيدلية في الجهة الأخرى ثم توارت خلف البوابة الأمامية فتوجه صوب اللوحة المعلقة عند البوابة بنظره وقرأ
فيلا الدكتور زاهر عبد الستار
كيف غاب عن ذاكرته ضجيج العمال في تلك الفيلا لأشهر كاملة والشاحنات التي تنقل الأثاث لمدة ثلاث أيام ماضية، حتمًا قد انتقلوا بالأمس في يوم عطلته لذلك لم يتمكن من التعرف على الوجوه الجديدة.
الساعة أصبحت الخامسة مساءً
قرص الشمس بدأ يخبو تاركًا الساحة لظلمة الليل تكسوها رُوَيْدًا رُوَيْدًا، وصلت رانيا بسيارتها أمام بوابة الفيلا وبدأت تطلق بوق سيارتها بطريقة جنونية أزعجت كلب ضال بدأ ينبح نحوها بجنون لحظات وظهرت إيناس وصعدت بجوارها في السيارة الميني كوبر الحمراء، أدارت رانيا السيارة لتتأهب لرحلة البحث عن فستان عقد القرآن وقد امتلأت بالحماس بينما إيناس كعادتها الأزلية حماستها لم تخرج من جوفها كأي مشاعر أخرى تخشى البوح بها، فمشاعرها لابد من أن تظل بالداخل يحيطها هالة من الخوف حتى لو كانت تملك من الحماس ما يفوق العروس بذاتها.
فلم تكن رانيا بالنسبة لها ابنة خالتها فقط بل شغلت مكانة أعلى، فقد كانت تعني لها أكثر من صلة قرابة تجمعهما، فمنذ أن وضعت بين يديها في لفتها الوردية وإيناس تبلغ الأربعة أعوام واجتاح صدرها شعور الأمومة كأنها وليدتها هي.. رأتها كإحدى الدمى الخاصة بها صغيرة بكف رقيق ولكن بإحساس مختلف عن الأخريات فقد كانت حقيقية بين يديها تضحك وتلعب وتشعر ليست كمثلهن، وحدة إيناس دون أخت أو رفيق غذت محبتها وعواطفها تجاه رانيا فزاد تقربها لها وباتت علاقتهما بنكهة مختلفة تحمل بين طياتها علاقة الأخت بأختها وعلاقة الأم بابنتها وعلاقة الفتاة بصديقتها وحتى عندما جاءها أخيها مراد لم يغير من مكانة رانيا البتة في حياتها والتي اعتلتها منذ اللحظة الأولى دون منازع.
قالت رانيا بحماس:
_ اتأخرتي ليه يابنتي، إحنا هنلف كتير أوي إنهارده وياعالم هلاقي حاجة تعجبني ولا لا.
_ماتقلقيش هنلحق وإن شاء الله نلاقي.
_ مرعوبة إني ملاقيش فستان يعجبني ساعتها مش عارفة هتصرف إزاي الوقت مش هيكفي أشتري من بره مصر.
_ إهدي بس إنتي وكل حاجة هتتحل.
_ مش عارفة الهدوء ده جيباه منين يابنتي؟!
ضحكت إيناس على كلماتها وأجابت:
_ دى حكمة لما تكبري هتعرفيها.
_ طيب ياحكيمة يارب حكمتك دي تنفع إنهارده رغم إني أشك لأني عارفة ذوقك غيري خالص.
_ ربنا يستر يا نونه.
في تلك الأثناء كان مصطفى قد أنهى وردية عمله وفي طريقه للمغادرة فلمح مشهد صعود إيناس لسيارة رانيا من الجهة الأخرى للصيدلية هو يعرف تلك السيارة جيدًا ويعرف صاحبتها تلك الفتاة التي انتقلت منذ شهرين للسكن في هذا الكومباوند في إحدى الفيلات في الحي المجاور، ولكن لا يزال فضوله ينبش عن أي معلومة تغذيه وهو يسعى وراء الأخرى، حديثة العهد ذات الوجه الجديد، ليجد السيارة تغادر تاركة ورائها غبار يدور في الهواء كما تدور علامات الاستفهام في عقله.
أكمل بعدها مصطفى طريقه وهو يتحدث مع نادر صديقه في الهاتف وقد اتفقا على موعد للقاء في المساء لكي يحتفلوا بخطبة صديقهما مينا معًا.
***
تجولتا بين المحلات ذات العلامات التجارية العالمية والماركات الشهيرة وإيناس تدور في دوائر من الحيرة والتشتت حول المانيكانات المرتديات الفساتين بأشكالها وألوانها وطرزها المتعددة كانت تدقق النظر بتمعن وهي تبحث عن مرادها الذي سيتواءم مع الحدث الجلل المنتظر وكذلك مكانتها الرفيعة في العائلة، لا بد من أن يكون شيء لا يقل عن سابقه في الخطوبة والذي كان حديث الفتيات وسيدات العائلة بأكملها فستان يعبر عن أناقتها وحيويتها وروحها المرحة.. كانت إيناس تدور معها وحولها بعين متفحصة وبحس عشقها لتصميم الأزياء ومواكبتها لأحدث صيحات الموضة ولكنها لم تنجذب سوى للونها المفضل الذي كان يخطف نظرها رغمًا عنها وهو الأسود الظافر دومًا على مر العصور لا يقهره عصر ولا صيحة موضة متوج دائمًا بتاج الملك بين الألوان ولكنها ما إن ترشح أحدهم لرانيا لا تجد سوى الاندهاش بالتأكيد لن ترتدي الأسود في عقد قرآنها كما أنه لا يشبهها البتة.. ما هذا الهراء؟!!!
كانت رانيا فتاة بوهيمية خارجة عن المألوف، مرحة، أنيقة بصيحات معاصرة، لامعة كقرص الشمس تنشر أشعتها على الجميع لا أحد يتوقعها ولا أحد يستطيع أن يتخطاها، تعشق المفاجآت ولها بريق من نوع خاص.. تغرم بها بمجرد أن تقع عينك عليها وتأسر القلوب بضحكاتها الصاخبة حتى أنها لقبت بلؤلؤة العائلة..... هي فقط تسير وهن خلفها، تفعل فيفعلن، تضع القواعد وهن يسرن على خطاها ويتبعن وقع أقدامها، هي الوحيدة من تملك حق كسر قواعد العائلة وخلق ما هو جديد دون أن يعارضها أحد وكيف يجرؤ أحد على معارضتها؟!
ورغم جمالها المتواضع والذي تفوقت عليه إيناس بإجماع عائلتها إلا أن ضوء كاريزمتها وطلتها يثقب قرنية من يراها بشعاعه، كانت رانيا قصيرة بعض الشيء ببشرة سمراء وشعر أسود كيرلي طويل، عيونها متسعة كالمها ووزنها زائد بعض الشيء يتضح أكثر عند خصرها وأردافها وتضع مقوم أسنان يعدل اعوجاج بعض أسنانها لكن روحها المرحة وضحكتها وقوة شخصيتها جعلوها تعتلي عرش الملكة بجدارة استحقتها...
فقوي الشخصية هو من يضع القوانين دومًا والتابعون يسيرون على منهجها لذلك أوكلن إليها وضع القوانين وهن يسرن عليها كما وضعت وأصبحت هي النموذج المثالي لفتيات العائلة الذي يجب أن يحتذى به.
أحبت إيناس تلك الهالة التي تحيطها وطلتها القوية والتي تخطتها بمقدار المسافة بين السماوات والأرض لتغتنم لنفسها ألوان الربيع وجماله وتترك لباقي الفتيات بقية الفصول لتحظى إيناس من بينهم بصفرة الخريف بجدارة واستحقاق.
مرت سويعات وهي لا زالت تبحث بين الفساتين إلى أن وصلت في النهاية إلى اختيار مبدأي بين بعضهم وبدأت في المفاضلة بينهم في غرفة البروفة وهي تتناقش مع إيناس متخذة من خبراتها الضئيلة كما تظن في مجال الأزياء والموضة بعض النصائح، ظلتا يتبادلتان الآراء إلى أن توصلت رانيا في النهاية إلى أفضلهم ثم حان دور إيناس لتختار الزي الذي سترتديه في تلك المناسبة.. حينها سارت إيناس على توجيهات والدتها دون أي التواء بعد أن أمرتها بأن تقتل ذوقها البائس بخنجر مسموم وتتبع تعليمات الملكة فريدة فقط.
ألوان مبهجة وبراقة تخطف الأنظار، يبرز المفاتن دون أن يعريها بتعمد فيثير الاشمئزاز يفضل أن يكون طويلًا، يعجب الآخرين أكثر من أن ينال انتقادهم أو بالأحرى يعجب الجميع حتى لو لم يعجبها..... فاليندفن ذوقها
في تابوت حجري بسابع أرض!!
جمعت إيناس بعض الفساتين منتهجة رؤية والدتها ومنصاعة للأوامر دون أي إخلال ثم أجرت محادثة فيديو مع والدتها كما أوصتها لتدلي بكلمتها الأخيرة ولا تنسى أن تستشير رانيا فرأيها مهم ويؤخذ في عين الاعتبار، ظلت لما يقارب الساعتين وهي تبدل بين الفساتين ووالدتها تارة توبخ وتنتقد وتارة تثنى وتحب ورغم الحنق والضيق الذي ملأ صدر إيناس وفاض إلا أن كعادتها صامتة بوجه خالي من أي تعبير، رغم أنها لا تحمل في نفسها ذرة إعجاب لأي فستان اختارته ولكن ما الجديد فهي دومًا ترتدي ما يعجب العائلة وخاصة والدتها.. ظلت فريدة تناقش رانيا حول الخيارات المتاحة إلى أن اتفقتا على أحدهم وقبلت به إيناس دون إبداء أي رأي وذهبت لدفع ثمنه رغم شعورها بالاعتراض على سعره المبالغ فيه، وذوقه المنفر لها.
***
اجتمعوا الأصدقاء على طاولتهم المفضلة في المقهى المعتاد لهم في مصر الجديدة وعلى رأس المقهى وضعت لافتة مضيئة تحمل اسم شيشة
بالفرانكو بعد أن كانت تحمل اسم المعلم منير وأبنائه لعقود ماضية فلولا لمسة الحداثة التي طبعت على أحفاده لما تغير شيء.
اجتمعوا ليحتفلوا بخطبة مينا على حبيبته ماريا فؤاد أخيرًا بعد صبر سحب من عمرهما عشرة سنوات كاملة.
وبينما هم مجتمعون سقط على رأسهم فتى المقهى المدعى عسيلي ذو العشرون عامًا وسأل:
_ تشربوا إيه يا بهوات؟
رد مصطفى مبتهج:
_ إنهارده يوم خاص يا عسيلي، مش هنطلب نفس الطلبات هاتلنا طقم حاجة ساقعة علشان نحتفل بخطوبة مينا عقبال عندك.
تهلل وجه العسيلي وهو يهنيء مينا:
_ ألف مبروك يا أستاذ مينا.
فرد مينا: الله يبارك فيك ياعسيلي عبالك قريب بس بقولك إيه فكك من حوار الحاجة الساقعة وهاتلي أنا شاي بحليب.
انزعج نادر وهب في وجه مينا:
_ شاي بحليب إيه يابني هو وراك مدرسة الصبح، روح ياعسيلي الله يهديك هاتلنا الحاجة الساقعة. فانسحب عسيلي ليحضر الطلب ليستطرد مينا قائلًا:
_ بقولكوا إيه أنا مش معايا فلوس للدلع بتاعكوا ده أنا دلوقتي راجل ملتزم وعندي خططي ومسؤلياتي.
رد مصطفى: يابني فك الكيس شوية البنت هتهرب منك.
_ ما هو في جواز ودراسة ومشاريع لازم تكمل يا مصطفى... لم إيدك شوية عايزين ننجز بقى.
فيقول نادر بأريحية:
_والله يابني ما فيش أحلى من السنجلة وتصرف فلوسك براحتك من غير مسؤوليات وقرف.
يأس مينا من حوارهما بعد أن أفقدوه حماسته فقال بنفاد صبر وهو ينفخ أفكارهم السلبية في الهواء:
_يا جماعة أنا حر وبردو مش دافع تمن الحاجة الساقعة.
فقال مصطفى:
_خلاص يا عم الليلة دي كلها عندي علشان خاطر عيونك أنت وماريا..... بس إبقى إفتكرها ها.
***
مضى بضعة أيام في زوبعة تجهيزات حفل عقد القرآن وها قد حل اليوم المنتظر يوم الخميس المحدد لعقد القرآن، العائلة كلها تقف على قدم وساق لا مجال للتهاون فاليوم هو المنشود يجب أن يكون كما خطط له دون شائبة واحدة تعكر صفوه أو صفو العائلة الكريمة.
استقبلت رانيا خبير التجميل
خاصتها ومصففة الشعر بحفاوة وحماس في فيلتهم ولم تتركها إيناس بل ظلت تقدم لها يد العون في التجهيزات بنفس الحماس، المنزل مكتظ بالأقارب في كل مكان يثرثرون بأحاديث جانبية يشغلون بها دقائق انتظارهم إلى أن وصل العريس وأهله وسط نظرات العائلة الثاقبة يتمعنون في تفاصيلهم بانبهار، اصطحب آسر رانيا لعمل جلسة تصوير نهارية في حديقة الفيلا وسط تجهيزات منسقة الحفلة والمصور فاستغلت إيناس فرصة انشغال الجميع وهرعت لمنزلها لإعداد نفسها في سلام دون إزعاج وفضول الفتيات من حولها يحاوطها بعدما رفضت أن تستعد للحفل في منزل رانيا بحجة الازدحام.
وضعت القليل من مساحيق التجميل الهادئة ورفعت شعرها في تسريحة تلائم وجهها الناعم تاركة غرتها فوق حاجبيها ثم ارتدت فستانها الأحمر المطرز باللون البيج ووضعت حول عنقها عقد اختارته رانيا بعناية بعد أن أضافت عليه لمساتها الخاصة وقرطان في أذنيها ثم أطلت على والدتها في غرفة نومها لتدلي بكلمتها الأخيرة على مظهرها فوافقت فريدة على مضض بشعور داخلي يؤكد بأن إيناس لا تجيد عمل أي شيء.... فلا شيء تفعله إيناس يعجبها على الإطلاق ما دام بذوقها ولولا ذوق رانيا لما قبلت بحلي زائفة أبدًا في زمن فضلن فيه الفتيات ذلك الذوق البخس على المجوهرات الأصلية.
***
الساعة الرابعة والنصف
خرجت إيناس بصحبة الدكتور زاهر ووالدتها وأخيها مراد من بوابة الفيلا متجهين صوب السيارة، وهنا لمحهم مصطفى من وراء زجاج أبواب الصيدلية البراقة بفضل أوراق الجرائد التي تهدر على لمعتها فخرج مسرعًا إلى خارج الصيدلية وقد شكر خلوها من الزوار وتصنع بأنه يجري مكالمة هاتفية وهو يضع هاتفه على أذنه ثم استحضر صوت الفراغ من حوله وقذفه في حنجرة اللا شخص الذي يحادثه الآن في مخيلته والذي من الواضح أنه سيكون مساعده في الأيام المقبلة ليتثنى له تأمل البدر في أبهى لحظاته.
لمحها في ثوبها الأحمر البراق عاري الكتفين وهي تخطو خلف والدها ببطيء وحذر من غدر كعب حذائها العالي، كانت جميلة ومتألقة تخطف الأنظار، وشعرها الذي جمعته فوق رأسها بتسريحة هادئة زادتها قسامة وبهاء، وقد كشفت عن رقبة بيضاء طويلة أضافت حسن فوق حسنها.
رأى فيها قمر ليل منتصف الشهور العربية إلا من شيء واحد شعر به ولكن يجهله، شيء زائد أو ناقص لا يناسبها يكاد يصرخ قائلًا أنت لا تناسبيني إطلاقًا
ظل يبحث عن ذلك الشيء فلم يدركه فاكتفى بتأملها باستمتاع حتى لا يهدر تلك اللحظة الثمينة، ترك بصره يتبع آثار أقدامها باستسلام وهو لا يزال يحادث اللاشخص إلى أن لمح نظرتها له حينها جمع شتاته وأشاح بوجه في خجل وانسحب في تقهقر إلى داخل الصيدلية.
وقفت إيناس وسط الحديقة بين أضواء الاحتفال والورود البيضاء التي ملأت الحديقة والتي اتضح من خلالها مجهود منسقة الحفلة دون تهاون في إظهار لمستها الفنية لتظفر بتلك الحفلة بفخر تضيفه كمجد من أمجاد تاريخها في تنظيم الحفلات.
تصنعت إيناس ابتسامه واسعة أوصتها أو بالأحرى أمرتها بها والدتها في السيارة قبل بلوغ الحفل قائلةً:
_ عيزاكي مبتسمة على طول، وتتفاعلي مع الناس مش عايزه حد يتكلم علينا، أنتي فاهمة؟
_ حاضر... فهمت.
قالتها باستسلام طفلة لم تتعدى السابعة من عمرها، باتت البسمة جزء من شفتيها ومع ذلك لم تستطع أن تخفي ارتباكها المسيطر عليها، وعلى الرغم من فرحتها العارمة لرانيا إلا أن هناك شعور مزعج يخالجها يفسد لحظاتها السعيدة وبعض الانقباض الذي يجعل تنفسها مهمة صعبة كَاللَّهَثِ، جهلت سبب هذا الشعور البغيض ولكنها أرجحته غالبًا لمظهرها اللافت وفستانها المضيء حتى بات الجميع يحملق بها بشكل مزعج تكرهه فكم يزعجها أن تكون تحت الضوء مباشرة والكل يلتفت لها كأنها مانيكان تتوسط فاترينة عرض، وعلى الرغم من عدم ارتياحها لتلك النظرات إلا أن هذا هو مراد والدتها دومًا أن تسرق هي الاهتمام والأنظار من الجميع كما اعتادت على هذا منذ الصغر لتورث هذا الشعور لإبنتها بإرادتها او رغمًا عنها لا يهم.... ، تمنت إيناس في تلك اللحظة أن تسكن كوكب بمفردها لتحيا على سجيتها وتتخلى عن كل تلك المظاهر والنظرات الخادعة ستتجرد حينها من كل شيء تتصنعه.. ستتجرد حتى من هذا الفستان البشع ستخلعه وتلقيه أرضًا وستلقي بحذائها ذو الكعب العالي بعيدًا وتحل تسريحتها لتطلق شعرها يتطاير في الهواء وتسير بمفردها عارية من كل شيء سوى الحرية... هي فقط من ستصحبها معها هناك، لا أحد غيرها.
ظلت حاضرة بجوار رانيا وآسر أثناء عقد القرآن والذي شهد عليه والدها أيضًا حتى انتهى وسط تصفيق حار وتهليل المدعويين والكل يبارك ويهنيء، الجميع منبهر بتألق العروس في فستانها السيموني القصير المنفوش بدون أكتاف الذي بارك بشرتها السمراء وأضفى عليها أنوثة ناعمة بلمسة مرحة تحبها، فقد كان مظهرها كما يجب أن يكون يليق بها ويشبهها تمامًا، بينما آسر اقتطف اللون السيموني ووضعه في ربطة عنق حول عنقه وقد إرتدى بدلة باللون الكحلي وقميص أبيض.
وما إن انتهى عقد القرآن حتى باغتهما فتى الدي جي برقصة سلو
فهدأت الأصوات فجأة والتف الجميع حولهما في دائرة يمسكون بهواتفهم ليوثقوا تلك اللحظة الرومانسية ثم خفتت الأضواء وحل محلها أضواء الفلاش لتزيد المشهد جمالًا.
على عزف نغمات أغنية
(A thousand years)
تلاقت الأعين وتلامست الأيادي ثم اقترب آسر نحو رانيا أكثر وضمها إلى صدره وهما يتمايلان بنعومة على ألحان وكلمات الأغنية في انسجام
Heart beats fast.. colors and promises
How to be brave.. how can I love when iam afraid to fall
But watching you stand alone
All of my doubt, suddenly goes away somehow
One step closer