المجاعة تدق أبواب شمال غزة فيما يُضطر المواطنون لاستخدام الأعلاف للبقاء على قيد الحياة
مع اجتياح شبح الموت والدمار قطاع غزة، تبذل العائلات ما في وسعها من أجل البقاء بما تبقى من مقومات الحياة. فقد أصبح مخيم جباليا للاجئين أشبه بمدينة أشباح وسط أنقاض الحرب المستمرة منذ أكثر من 120 يوما. وبدأت المجاعة تلوح في الأفق مع نفاد حتى أكثر المواد أساسية، مثل الأغذية الصالحة للأكل، والمياه الآمنة، وأبسط إمدادات الوقود.
السيد عبد المجيد سلمان، المقيم في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، يكافح من أجل إبقاء أسرته على قيد الحياة. وعلى الرغم من عدم تمكنه من العثور على عمل أو تأمين دخل مهما كان بسيطا، إلا أنه يبذل كل ما في وسعه لإحضار أي شكل من أشكال الطعام إلى المنزل، حتى لو لم يكن مخصصا للاستهلاك الآدمي.
تمكن فريق أخبار الأمم المتحدة من التجول مع السيد عبد المجيد في الشوارع المدمرة في شمال غزة، حيث أخبرنا أنه، كحال معظم سكان الشمال، لجأ إلى شراء الأعلاف الحيوانية مثل الذرة والشعير، لضمان الغذاء لأسرته.
الكبار يجوعون لإطعام الصغار
يقول السيد سلمان إن سعر رطل الطحين الواحد أصبح يساوي ما بين مائة و110 شيكل، في حين كان سعر ما يسمى بـ "كيس المونة" ما بين 30 إلى 40 شيكل قبل هذه الحرب.
"لا يمكنك القول للصغار إنه لا يوجد خبز. فهم يصحون في الصباح ويريدون الطعام. أما الكبار، فيستطيعون التعامل مع الوضع ويأكلون [ولو] نصف رغيف".
وقال عبد المجيد سلمان إن عائلته تحتاج إلى حوالي 80 شيكل – أي ما يعادل حولي 22 دولارا –لتناول وجبة طعام واحدة، إن تم العثور على مكوناتها في الأسواق، وهي "بالكاد تكفي لنُشبع الأطفال".
دخل فريق أخبار الأمم المتحدة مع السيد عبد المجيد إلى منزله بين ركام وأنقاض ما كان قبل الحرب حيا نابضا بالحياة في مخيم جباليا للاجئين. رأينا زوجته تعجن وترق الخبز المكون من علف الذرة وحفنة من الطحين الأبيض. وفي معرض شرحها لكيفية تحضير الخبز هذا قالت: "لا حول ولا قوة إلا بالله. لولا أننا مجبرون لما صنعناه أصلا، لأن سعر الطحين مرتفع إنْ كان موجودا".
يقول السيد عبد المجيد إنه يقضي يومه في جمع الحطب للخبز والطهي بسبب انقطاع الغاز، حيث يبحث عن الأخشاب في مخلفات المباني التي جرفتها القوات الإسرائيلية.
"لا يوجد بديل"
من أجل تلبية احتياجات سكان مخيم جباليا، مثل السيد عبد المجيد، بدأ السيد محمد خالدي مشروعا لطحن الحبوب. وشرح لنا مشروعه قائلا: "كان هذا المكان مصنعا لخياطة الملابس. ولكن نظرا لحاجة الناس لطحن الحبوب، اضطررنا آسفين في هذا الوضع أن نتجاوب مع وضع الناس لنرفع عنهم المعاناة وحولنا المكان إلى مطحنة".
قام محمد برفقة عماله بإخلاء المكان وانشاء نظام لطحن الحبوب، ولكن بسبب شُح القمح، أصبح سكان المخيم يحضرون "أكلا أشبه بأكل الدواب والطيور من أجل أن يقتاتوا ويأكلوا ويخبزوا في ظل عدم وصول أي مساعدات إلى شمال غزة" كما قال.
كغيره من السكان، يقوم عبد المجيد بإحضار القمح والشعير والذرة غير الصالحة للاستخدام الآدمي إلى مطحنة محمد، لأنه ببساطة "لا يوجد بديل"، حيث قال: "الأسعار نارية وأصبحنا نتداين ونأكل وجبة واحدة على مدى يومين أو ثلاثة لكي نوفر ونطعم الأطفال".
"على أبواب مجاعة"
قال محمد إن سكان شمال غزة "على أبواب مجاعة"، وناشد العالم إدخال القمح والدقيق والمساعدات الأخرى لتفادي حدوثها. ولكن في ظل أزمة الجوع هذه، هناك "أزمة فوق أزمة"، بحسب تعبير محمد خالدي، ألا وهي أزمة الوقود. فالمطاحن كتلك التي يديرها تعمل على المازوت الذي - إن توفر - قد يصل سعره إلى أرقام خيالية.
وقال: "إن وجدت في السوق السوداء، يتم بيع تنكة العشرين لترا بستمئة شيكل، أي ما يقارب ثلاثين شيكل لسعر اللتر الواحد. السعر الدولي أقل من دولار، لكن عندنا في غزة سعر اللتر الواحد أكثر من عشرة دولارات. نحن نعمل على المازوت أي السولار، إذا لم يتم إدخال السولار والدقيق ستتوقف المطاحن عن العمل، ولن يكون هناك أي ذرة دقيق ليقتاتها الناس وليتغلبوا على جوعهم. نحن الكبار ندرك الوضع المرتبط بهذه المجاعة، لكن الأطفال غير مدركين. الأطفال يتضورون جوعا، يتلوون جوعا، تأتينا حالات لا يعلم بها إلا الله وحده".
أزمة تمويل الأونروا
تقول الأونروا إنها لم تتمكن من الوصول إلى شمال قطاع غزة إلا بشكل محدود للغاية منذ بدء الحرب في 7 تشرين الأول /أكتوبر. فغالبا ما يتم رفض التصاريح لإيصال المساعدات إلى الشمال، وقد تم استهداف عدد من القوافل الأممية – وآخرها منذ يومين عندما تعرضت قافلة تابعة للأونروا لإطلاق نيران من البحرية الإسرائيلية فيما كانت بانتظار التوجه إلى شمال القطاع.
في خضم الكارثة الإنسانية التي يعيشها القطاع بسبب الحرب، تتزايد المخاوف من أن الأونروا - وهي الذراع الإنساني الرئيسي في غزة - قد تضطر قريبا إلى وقف خدماتها. نتيجة للادعاءات بشأن تورط 12 من موظفيها في الهجمات التي نفذتها حماس على إسرائيل، قرر العديد من المانحين تعليق تمويلهم للوكالة.
ومن المتوقع أن تنفد الأموال التشغيلية اللازمة بحلول نهاية شهر شباط/ فبراير الجاري ما لم يتم حل أزمة تمويل الوكالة. لن يؤثر ذلك فقط على عمليات الأونروا في غزة، بل أيضاً في الضفة الغربية ( بما فيها القدس الشرقية) والأردن وسوريا ولبنان. ويُذكر أن الأونروا تدعم 5.9 مليون لاجئ فلسطيني.