محمد غلام- كابل
بالرسم، والسباحة في أودية الإنترنت، وخدمة والديها، استعاضت يالدا جهنغيرا أفغان عن عملها مذيعة بعد أن ضاقت عليها سبل الحياة المهنية، كبعض الصحفيات هنا، وحرمتها مهنة الصحافة التي عشقت.
غير أن يالدا أفغان لم ترفع لواء الاستسلام وقررت الخوض في نشاط جمعوي التأم في إطاره 30 صحفية أفغانية أسمينه “جمعية الصحفيات الأفغانيات” وترأسه هي حاليا.
فقدت أفغان وظيفتها مرتين، الأولى بعيد سيطرة طالبان على الحكم قبل ثلاث سنوات، حين غادر مالك قناة “أفغانستان” التي كانت تعمل فيها. وحيث إن المسؤول الذي كان يديرها، بالنيابة، لم تكن لديه أجوبة عن كل الأسئلة التي طرحها مسؤولو طالبان، ولم يكن قادرا على تلبية جميع اشتراطاتهم، وفي ضوء ضغوط مالية، أغلقت القناة.
ولاحقا عصف بها إعلان تلفزيوني في قناتي “طلوع” “وشمشات” عن النظافة لصالح وزارة الصحة بالتعاون مع يونيسيف، لم تلتزم فيه بوضع القفازات على يديها.. فوجدت نفسها في الشارع مرة أخرى، كما تقول.
وتلخص يالدا أفغان مشكلة الصحفيات اليوم في جملة من القضايا: أولاها الضغوط التي تمارسها حركة طالبان كما تقول، ولأنها لم توفر فرصة لعملهن، وفي تقصير وسائل الإعلام نفسها وعدم مقاومتها الضغوط، بل إنها “كانت تصرف الصحفيات بذريعة أن حركة طالبان غير راغبة فيهن”، فضلا عن وقفها الكثير من الإعلانات وهو ما حد من مداخيلها.
ووفق منظمة العفو الدولية في تقريرها الدولي للعام الحالي، فقد توقفت أكثر من 80% من الصحفيات عن العمل بين أغسطس/آب 2021 وأغسطس/آب 2023 بسبب قيود متعددة منها “عدم السماح بظهور النساء على شاشات التلفزيون من دون تغطية وجوههن”.
غير أن البعض يقول هنا إن هذه القضية لا تمثل مصدر ضغط في ظل مجتمع تقليدي متدين، وقد رأيناهن يقدمن نشرات إخبارية وبرامج تلفزيونية وتغطيات ميدانية، وهن يضعن الكمامات الإلزامية.
وتقول لنا عائشة شريفي، المذيعة في قناة “طلوع”، إن التزام الكمامة طوال النشرة أو التغطية يشعرها بضيق في التنفس.
وتشير العفو الدولية في تقريرها إلى أن طالبان أوقفت مؤخرا راديو وتلفزيون هميشة بهار في ولاية ننغرهار بالقوة لمدة 20 يومًا بسبب “اختلاط” بين الصحفيين.
غير أن ما رأيناه بأم أعيننا أثناء جولة في المقر الرئيس لقناة “طلوع”، وهي واحدة من أكثر القنوات الخاصة الأفغانية مشاهدة وتأثيرا، أن الصحفيين -ذكورا وإناثا- يعملون جنبا إلى جنب. ولو أن غرفة التحرير لها جانبان مخصص أحدهما للصحفيين الذكور والآخر للإناث، ولكنهما يطلان على بعضهما البعض ولا يفصل مكان جلوس الصحفيين والصحفيات إلا بضع أمتار.
وبحسب تقرير العفو الدولية، فإنه منذ تولِّي طالبان زمام السلطة في أغسطس/آب 2021، حتى أغسطس/آب 2023، تم إغلاق ما يزيد على نصف وسائل الإعلام المسجّلة، وغادر ثلثا الصحفيين وظائفهم.
غير أن ذبيح الله مجاهد، المتحدث الرسمي باسم حكومة طالبان (غير المعترف بها دوليا) يؤكد في تصريحات صحفية أن أسباب توقف بعض وسائل الإعلام الأفغانية عن العمل بعد انسحاب القوات الأميركية من البلاد “لا تتعلق بـ(أنشطة) إمارة أفغانستان الإسلامية، وإنما بفقدان تمويلها من القوات الأجنبية والسفارات”. ويعد بأن حكومته “ستبذل قصارى جهدها من أجل حل المشاكل المالية لهذه الوسائل الإعلامية”.
أشكال الضغوط
بيد أنه لا يختلف اثنان على وجود ضغوط وتحديات تواجه العمل الصحفي النسوي هنا، وتشير المذيعة عائشة شريفي إلى إلزام القوانين بوجود الضيف -في حال كون المقدم أنثى- في غرفة منفصلة أو إجراء اللقاء عبر تقنية الفيديو عن بعد. وتشكو من أن كثيرا من قادة ومسؤولي طالبان يرفضون الظهور ويخرجون من القناة بمجرد علمهم بأن المحاور سيدة.
وتقول إن دوريات أمنية تأتي، أحيانا، فجأة، للتأكد من تطبيق تلك القوانين واللوائح.
ويعد الوصول إلى المعلومات تحديا رئيسيا “آخر” بالنسبة الصحفيات الأفغانيات، وفق تقرير لمنظمة دعم الإعلام الدولي (IMS) المسجلة في كوبنهايغن- الدانمارك، في تقرير لها صدر بمناسبة اليوم العالمي للمرأة هذا العام (الثامن من مارس/آذار)، حيث تمنع السلطاتُ الصحفياتِ من المشاركة في المؤتمرات الصحفية والوصول إلى مسرح الأحداث، فضلا عن أن المتحدثين الرسميين لا يستجيبون غالبا للمكالمات الهاتفية للصحفيات، وفي كثير من الحالات، لا يمنحون المقابلات للصحفيات، وفق المنظمة.
ومع أن أرقام المنظمة تشير إلى وجود 1400 صحفية حين سيطرة طالبان على الحكم قبل ثلاث سنوات، فإن البعض يشير إلى أن الكثير منهن فضلن الخروج من البلاد بعيد سقوط النظام السابق، وأنه ليس لانخفاض الأرقام علاقة مباشرة بـ”القمع والاضطهاد”.
وتؤكد الصحفية يالدا أفغان هذه الخلاصة، وتقول إن الأرقام المنشورة عن تزايد عودة الصحفيات إلى عملهن “صحيحة”، وتشير إلى وجود إذاعة “مرسل” كل طاقمها نسائي.
ورغم شكوى المذيعة عائشة شريفي من التضييق وصعوبة الوضع، فإنها تقول إنها ترفض الخروج من أفغانستان، وإنها تعيش وتواكب “التحولات” التي تجري ببلدها.
أما يالدا جهنغيرا أفغان وبرغم إقرارها بوجود محاذير أمنية فيما يتعلق بأنشطة جمعيتها وحضور العضوات لاجتماعاتها النقابية، فإنها تبدي تفاؤلا بشأن مستقبل أفغانستان، “لأن هناك عددا لا بأس به من الزميلات عدن لمزاولة أعمالهن.. والبنات يلبسن ما يشأن (ضمن وجوب الالتزام غير الصارم بالحجاب) وعدد كبير من الأفغان بدأوا يعودون إلى بلدهم ونحن نتكيف مع الوضع”.
وبرغم إقرارها بوجود قوانين “صارمة” فيما يتعلق بالعمل الصحفي النسوي، فإنها تعترف بأن القوانين لا تطبق بحرفية في أغلب الأحيان.
- الأكـثر مشاهـدة
- الـشائـع