«حراس الدين» وقد حلّ نفسه... فقاعة صوتية أم تهديد مبطن؟

دلالات البيان والعلاقة مع «تحرير الشام» من الولاء إلى العداء

قائد «هيئة تحرير الشام» أبو محمد الجولاني في حلب الأربعاء 4 ديسمبر 2024 (تلغرام)
قائد «هيئة تحرير الشام» أبو محمد الجولاني في حلب الأربعاء 4 ديسمبر 2024 (تلغرام)
TT

«حراس الدين» وقد حلّ نفسه... فقاعة صوتية أم تهديد مبطن؟

قائد «هيئة تحرير الشام» أبو محمد الجولاني في حلب الأربعاء 4 ديسمبر 2024 (تلغرام)
قائد «هيئة تحرير الشام» أبو محمد الجولاني في حلب الأربعاء 4 ديسمبر 2024 (تلغرام)

في نهاية شهر يناير (كانون الثاني) الفائت، ومن دون مقدمات مسبقة، أعلن الفرع السوري لتنظيم «القاعدة»، المعروف بتنظيم «حراس الدين»، حلّ نفسه رسمياً، مؤكداً في بيان أن قراره جاء بعد ما وصفه بـ«تحقيق النصر المبين» بإسقاط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد.

وأعاد هذا البيان تسليط الضوء على تنظيم يفترض أنه انتهى عملياً على الأرض، كما وأثار تساؤلات حول حجمه الفعلي، واختياره توقيت هذا الإعلان. فقد دعا التنظيم الإدارة الجديدة في سوريا إلى الحفاظ على السلاح بيد «أهل السنة»، ونصحها بـ«إقامة الدين وتحكيم الشريعة»، معتبراً أن سوريا لا تزال ساحةً للمعارك الكبرى ضد «الطغاة والمستعمرين»، وداعياً مقاتليه السابقين للاستعداد لأي استحقاقات مستقبلية.

كذلك شدد «حراس الدين» على أنه سيبقى مستعداً لتلبية أي «نداء استغاثة» في مناطق المسلمين، متمسكاً بـ«ثوابته الشرعية دون تغيير أو تمييع».

لكن هل لا يزال لتنظيم «القاعدة» أي وجود في سوريا؟ وهل فعلاً هناك أهمية لتوقيت البيان؟

تحدثت «الشرق الأوسط» إلى عدد من المصادر، بينهم قيادي سابق في «حراس الدين»، يكنّى بأبي عبد الرحمن الحلبي، التحق بصفوف «هيئة تحرير الشام»، بعد انتهاء التنظيم فعلياً في منتصف عام 2020.

قال الحلبي: «لا يتجاوز البيان كونه خطوةً إعلاميةً، فالتنظيم لم يعد له وجود حقيقي على الأرض، وهو يحاول فقط الإيحاء بأنه لا يزال حاضراً وفاعلاً في سوريا». وأضاف: «عملياً هناك بعض المتعاطفين لكن من دون انتماء تنظيمي. لذا، يمكن اعتبار البيان بمثابة تعزية للأنصار السابقين، وليس أكثر».

وأوضح الحلبي: «في بداية تشكيل (حراس الدين)، كانت لدينا قناعة بأن (تحرير الشام) تنحرف عن أهداف الجهاد وغاياته، بدءاً بقبولها بالوجود التركي وحماية نقاط الجيش التركي والتنسيق مع تركيا، ثم رفضها مطالب القادة العسكريين بضرورة فتح معركة ضد قوات النظام في ريف اللاذقية أو إدلب. وبرّرت قيادة الهيئة حينذاك بأن أي عمل عسكري ليس في مصلحة المعارضة، وكنا نرى هذا مجرد ذَرٍّ للرماد في العيون، وأن (تحرير الشام) كانت في الحقيقة ملتزمة باتفاق آستانة».

النشأة والشقاق

وكان تنظيم «حراس الدين» تشكل في فبراير (شباط) 2018 من عدة تجمعات صغيرة، مرتبطة ببيعة شرعية لأيمن الظواهري، لكن سرعان ما بدأ يظهر الشقاق بين تيارات متباينة داخل هذه الجماعات نفسها بين خط جهادي محلي مطالب بفك الارتباط عن تنظيم «القاعدة» وقيادة الظواهري (تحرير الشام)، وخط جهادي عالمي ومدافع عن البقاء تحت رايتها كحال «حراس الدين».

أبو محمد الجولاني (الثاني من اليمين) يناقش تفاصيل عسكرية مع القادة الميدانيين في ريف حلب في 2016 (أ.ب)

وشهدت الفترة بين عامي 2019 و2020 مواجهات متكررة بين «هيئة تحرير الشام» وتنظيم «حراس الدين»، وتصاعدت حدة الاشتباكات بين الطرفين، خصوصاً بعد تشكيل غرفة عمليات «فاثبتوا» التي قادها «حراس الدين». وبلغ هذا الصراع ذروته في مايو (أيار) 2020، عقب قيام «تحرير الشام» باعتقال أبو مالك التلي، الزعيم السابق لـ«جبهة النصرة» في القلمون، الذي كان قد انشق عن «تحرير الشام» وأصبح مقرباً من «حراس الدين»، إضافة إلى اعتقال القيادي أبو صلاح الأوزبكي.

على أثر هذه الأحداث، تمكنت «حراس الدين» من السيطرة على بعض مواقع «تحرير الشام» في ريف إدلب الغربي، لكن الأخيرة سرعان ما ردت باستخدام القوة العسكرية، ما أدى إلى تفكيك غرفة عمليات «فاثبتوا» بالكامل.

وبهذا الإجراء، أنهت «تحرير الشام» فعلياً وجود تنظيم «حراس الدين» ككيان عسكري مستقل.

جدير بالذكر أنه عندما كان قادة «حراس الدين»، ضمن «جبهة النصرة»، لعبوا دوراً كبيراً في المواجهات التي خاضتها الأخيرة ضد بعض فصائل «الجيش الحر» في إدلب وريف حلب.

وفي تلك الفترة استخدم أحمد الشرع (الجولاني) قادة «حراس الدين» وثقلهم في الوسط الجهادي لتحقيق مكاسب كبيرة، سواء في تصفية الفصائل المنافسة، أو في تثبيت حكمه في إدلب. ولكن، عندما رأى أنهم باتوا يشكلون خطراً على مشروعه، عمل على القضاء عليهم، مستغلاً فشلهم التنظيمي والإعلامي، بالإضافة إلى عدم قدرتهم على تكوين حاضنة اجتماعية في إدلب، مما جعلهم عرضة للتهميش والاستهداف. كما تعرضوا حينها لهجمات مباشرة ومؤلمة من التحالف الدولي اتهم الجولاني بالتنسيق فيها.

ويقول الحلبي: «قُتل بعض القادة، وسُجن آخرون، بينما اختار كثيرٌ من العناصر الصمت والعزلة تفادياً للصدام مع (تحرير الشام)، لأن ذلك لم يكن في مصلحة ما يُعرف بـ(الجهاد الشامي)، أي الثورة في سوريا».

ويضيف: «بعد انهيار (حراس الدين) كتنظيم على الأرض، عاد بعض عناصره - وأنا منهم - إلى (تحرير الشام)، لإدراكنا أن الارتباط بـ(القاعدة) لم يعد خياراً مجدياً، بل قد يضرّ بالثورة السورية والمشروع الجهادي ككل في سوريا».

من الجولاني إلى الشرع

يقول عروة عجوب، طالب الدكتوراه في جامعة مالمو، السويد، والمختص بشؤون الجماعات الجهادية، لـ«الشرق الأوسط»، إن تنظيم «حراس الدين»، «لم يعد له وجود فعلي منذ عام 2021، عندما شُكِّلت غرفتا عمليات (وحرض المؤمنين) و(فاثبتوا) بمشاركة عدة فصائل محلية غاضبة من النهج البراغماتي لزعيم (هيئة تحرير الشام) آنذاك أبو محمد الجولاني». ويشير عجوب إلى أن «الجولاني (أحمد الشرع)، شعر في ذلك الوقت بأن هذه الفصائل قد تشكّل تهديداً مباشراً لنفوذه في إدلب، ما دفعه إلى تفكيك هذه الغرف، ومنع أي محاولات لاحقة لتشكيل فصائل أو غرف عمليات جديدة».

قائد «هيئة تحرير الشام» أبو محمد الجولاني يتحدث أمام حشد من الناس في المسجد الأموي بدمشق بعد إعلان المعارضة السورية الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024 (رويترز)

ويعتقد عجوب أن العداء بين الجولاني وتنظيم «القاعدة» بدأ فعلياً منذ انفصال «هيئة تحرير الشام» عن «القاعدة» عام 2016، وأن الجولاني استطاع لاحقاً، بالتعاون مع التحالف الدولي، القضاء على تنظيمي «داعش» و«حراس الدين» داخل مناطق سيطرته.

ويرى عجوب أن الإعلان الجديد عن التنظيم يهدف بالدرجة الأولى إلى إثبات الوجود، لافتاً إلى أنه يستبعد أي مستقبل لتنظيم «القاعدة» في سوريا بعد تحوّل «هيئة تحرير الشام» إلى السلطة، ويقول: «عندما كانت الهيئة مجرد فصيل مسلح، كانت تتهم (القاعدة) بالغلو وتقوم بملاحقة عناصرها، فكيف وقد أصبحت اليوم السلطة الشرعية؟».

ويتفق الحلبي مع وجهة النظر هذه، قائلاً: «لن يكون لـ(القاعدة) أي مستقبل في سوريا بعد انتصار (تحرير الشام)، كما أن المجتمع السوري ليس مستعداً لقبول أي تنظيم فصائلي الآن. كذلك، فإن أحمد الشرع بات يتمتع برمزية كبيرة بين الفصائل والمقاتلين، ما يجعل من المستحيل على (القاعدة) إحياء نفسها حالياً».

شركاء النصر

في المقابل، يقول قيادي في «الجيش الحر» سابقاً، مفضلاً عدم ذكر اسمه، لـ«الشرق الأوسط»: «رغم الانهيار الميداني، سعى (حراس الدين) عبر إعلان حل نفسه إلى التأكيد على أن (القاعدة) لا تزال موجودة وفاعلة في سوريا، وأنها جزءٌ من (انتصارات الثورة) ضد النظام، في محاولة لإعادة إنتاج دورها في المشهد (الجهادي). كما أراد التنظيم تذكير خصومه، خصوصاً (تحرير الشام)، بأنه كان شريكاً أساسياً في مسيرتهم، وبأنه ساهم في توجيه زعيم (الهيئة)، أحمد الشرع أو أبو محمد الجولاني، نحو فك ارتباطه بـ(القاعدة) بدعوى مصلحة الثورة السورية».

ولفت المصدر إلى أن التنظيم يرى نفسه «المدبر الرئيسي لمشروع أحمد الشرع، وأنه هو من خلّصه من تنظيم (داعش) ومنحه الشرعية، وهذا البيان هو محاولة لاستثمار هذا القرار لصالحه عبر الإظهار أنه لا يعارض مصلحة الشعب السوري، بل كان جزءاً ممن قاتلوا لتحقيق مصالحه».

وتحدثت «الشرق الأوسط» إلى قيادي داخل «تحرير الشام» (سابقاً)، مفضلاً عدم ذكر اسمه، فاعتبر أن بيان «حراس الدين» هو محاولة من تنظيم «القاعدة» لتخليص السلطة الجديدة من تركتها لإتاحة المجال أمامها نحو نيل الشرعية الدولية كأن تزيح حملاً ثقيلاً ما زلت بقاياه ملقاة على كاهلها، وأن «القاعدة» ليست عثرةً في طريق إدارة أحمد الشرع الوليدة.

كذلك عدَّ القيادي السابق أن تنظيم «القاعدة»، «يسعى لتسهيل استقلال (هيئة تحرير الشام) بقيادة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) فعلياً عن ماضيها، لكنه في المقابل، يدرك أهمية كسب المجتمع المحلي السوري، خصوصاً الحواضن الاجتماعية للثورة، من خلال إظهار نفسه أنه لا يعرقل مصالح سوريا الجديدة الإقليمية والدولية».

ويحاول تنظيم «القاعدة»، حسب المصدر أيضاً، إظهار قدرته على التعامل البراغماتي مع الواقع السياسي، وتبني تكتيكات مرنة خدمةً للمصلحة الكبرى، حتى لو تعارض ذلك ظرفياً مع مصلحة التنظيم نفسه. وكان أيمن الظواهري أشار في أحد خطاباته إلى هذه المقاربة عند تعليقه على انفصال «جبهة النصرة» عن «القاعدة» في صيف 2016، مؤكداً أن «القاعدة» ليست عائقاً أمام الثورة السورية.

هذا التوجه يهدف إلى تقديم «القاعدة» تنظيماً قادراً على التأقلم، خلافاً لتنظيم «داعش»، الذي يرفض تغيير استراتيجيته بغض النظر عن الواقع السياسي والعسكري. فـ«القاعدة» يرى أن المرونة في الوسائل يحقق أهدافه الاستراتيجية العامة، في حين أن «تنظيم الدولة» يعدُّ الوسائل جزءاً لا يتجزأ من العقيدة، ولا يقبل بتغييرها.

محاولة «القاعدة» نسب نجاح «تحرير الشام» إلى استراتيجيتها وسعيها إلى تجنب الاعتراف بأن استقلال «تحرير الشام» كان شرطاً أساسياً لنجاحها. لذلك، تحاول تصوير هذا الانفصال على أنه قرار استراتيجي مدروس من قِبَل قيادتها هي. وعلى رغم وجود جناح داخل «القاعدة» وقتها لم يكن راضياً عن انفصال «جبهة النصرة»، فإن النجاحات التي حققتها «تحرير الشام» دفعت «القاعدة» إلى اعتبار هذا القرار خطوة حكيمة أفرزت نتائج إيجابية، يجعلها شريكة في هذا النجاح.

وبهذا، تريد «القاعدة» أن تُشعر «تحرير الشام» أو السلطة الجديدة بأنها مدينة لها، ولهذه السياسة البراغماتية، وأن ارتباطهما ليس صفحة سوداء يجب طيّها، بل جزء من تاريخ «الجهاد» الذي أدى إلى انتصار مهم في سوريا.

تهديد مبطن

إلى ذلك، قد يحتوي موقف «القاعدة» أيضاً على تهديد مبطن للسلطة الناشئة، مفاده أن التنظيم قادر على إعادة تشكيل نفسه داخل سوريا إذا لم تحقق «تحرير الشام» بحلتها الجديدة الأهداف الكبرى، مثل تطبيق حكم إسلامي لا يخرج عن الإطار العام الذي تتبناه، وأن تتجاهل «تحرير الشام» هذا الخط بالتوسع في التنازل عنه، بحيث تبقى ضمن الهوامش التي يمكن التنازل عنها مرحلياً. ومن ملامح الخط العام هذا تجنب إشراك الليبراليين والعلمانيين بالمشهد السياسي الوليد.

وفي البيان تلويح بإمكانية شنّ حرب ضد أي ثورة مضادة تقودها الأقليات أو القوى العلمانية، وتراهن «القاعدة» على تبلور تيار متشدد داخل «تحرير الشام» وباقي الفصائل يعارض التوجه البراغماتي للقيادة الحالية، مما يفتح المجال أمام تشكيل تكتلات معارضة أكثر تشدداً.

وهنا، قد يلعب «القاعدة» دور المحرك لهذا الاستياء، خصوصاً إذا ابتعدت «تحرير الشام» عن الأسس العقائدية التي يتبناها الجهاديون المحليون، حتى وإن كانوا أقل تشدداً من الجهاديين التقليديين.

عرض عسكري نظمته وزارة الدفاع السورية لتخريج أكثر من 300 جندي في مدينة حلب شمال سوريا (إ.ب.أ)

مستقبل «القاعدة» في سوريا

يعتمد مستقبل «القاعدة» في سوريا على عدة عوامل؛ أهمها احتمالات وقوع صراع طائفي. فإذا تطورت أعمال العنف المتفرقة التي تحدث في بعض المناطق إلى صراع طائفي واضح المعالم، نتيجة تحركات فلول النظام أو تدخلات إيرانية مباشرة، قد تجد «القاعدة» في ذلك بيئة خصبة لإعادة بناء نفوذها وتأجيج نزاع طائفي، لا سيما وأنها تملك باعاً طويلاً في ذلك. العامل الآخر أنه يمكن استغلال الانقسامات داخل «تحرير الشام» في حال نشبت خلافات تعارض براغماتية الإدارة الجديدة وتتربص بها؛ هنا تقدم «القاعدة» نفسها خياراً بديلاً للجهاديين المحليين. إلا أن نجاح هذا الخيار يتوقف أيضاً على تطورات الأوضاع الأمنية، وتعامل «هيئة تحرير الشام» مع الفئات الغاضبة أو الأكثر تشدداً من جهة، ورد فعلها إذا لمست تشكل نواة صلبة ضدها. فـ«تحرير الشام» تمتلك خبرة واسعة في مواجهة الجماعات الجهادية، مستفيدةً من معرفتها العميقة بأساليبهم الأمنية وطرق تشكيلهم للخلايا النشطة، وكانت إدلب المنطقة الأكثر نجاحاً في مطاردة «تنظيم الدولة» والمتعاطفين معه. هذه الخبرة نابعة من تجربة «الهيئة» نفسها في مراحلها الأولى، حين مرت بظروف مماثلة قبل أن تصبح القوة المهيمنة في إدلب. وعلى هذا الأساس، تمكنت من فرض قبضتها الأمنية ضد الجماعات الجهادية على نحو أكثر فاعلية من «الجيش الوطني» أو «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) على السواء.


مقالات ذات صلة

 واشنطن تعلن مقتل قائد عسكري بفرع تنظيم «القاعدة» في سوريا

قائد القيادة الأميركية الوسطى «سينتكوم» الجنرال مايكل كوريلا (أ.ب) play-circle

 واشنطن تعلن مقتل قائد عسكري بفرع تنظيم «القاعدة» في سوريا

قالت القيادة المركزية الأميركية «سينتكوم»، إن القوات الأميركية قتلت قائداً عسكرياً بارزاً من جماعة «حراس الدين»، أحد فروع تنظيم «القاعدة»، في شمال غربي سوريا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي طائرة «إيه 10 ثاندربولت» في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)

الجيش الأميركي: مقتل قيادي بارز في جماعة تابعة لتنظيم «القاعدة» في سوريا

قالت القيادة المركزية الأميركية، اليوم السبت، إنها شنت غارة جوية دقيقة في سوريا استهدفت قيادياً كبيراً في جماعة تابعة لتنظيم «القاعدة» وقتلته.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
المشرق العربي ذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أنه مرجح أن الطائرة المُسيرة تتبع التحالف الدولي (رويترز)

سوريا: مقتل قيادي بتنظيم «حراس الدين» في هجوم بمُسيّرة للتحالف الدولي شرق حلب

قال الدفاع المدني السوري إن شخصاً قُتل في قصف صاروخي نفّذته طائرة مُسيرة «مجهولة»، الثلاثاء، جنوب مدينة جرابلس في ريف حلب الشرقي.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
الولايات المتحدة​ السيارة المستهدفة التابعة للقيادي وسيم بيرقدار في سوريا (حساب القيادة المركزية الأميركية على «إكس»)

الجيش الأميركي يقتل قيادياً في «حراس الدين» بشمال غربي سوريا

أعلنت القيادة المركزية الأميركية، السبت، أن قواتها قتلت أحد القياديين في تنظيم «حراس الدين» التابع لـ«القاعدة» في ضربة جوية شمال غربي سوريا.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
الولايات المتحدة​ موقع المخيم الجديد الذي تخطط إدارة ترمب لإيواء آلاف المهاجرين غير النظاميين فيه بالقاعدة البحرية الأميركية بخليج غوانتانامو في كوبا (نيويورك تايمز)

ماذا نعرف عن المهمة السرية لنقل المهاجرين إلى خليج غوانتانامو

لم تقدم إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، إلا معلومات قليلة عن الفنزويليين الذين نُقلوا من تكساس إلى «غوانتانامو» بالقاعدة العسكرية الأميركية هناك.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«رحلة إلى إدلب» تكشف فجوات عميقة بين السوريين

شباب من منطقة حارم في القلعة التاريخية وبدا جزء منها مدمراً (الشرق الأوسط)
شباب من منطقة حارم في القلعة التاريخية وبدا جزء منها مدمراً (الشرق الأوسط)
TT

«رحلة إلى إدلب» تكشف فجوات عميقة بين السوريين

شباب من منطقة حارم في القلعة التاريخية وبدا جزء منها مدمراً (الشرق الأوسط)
شباب من منطقة حارم في القلعة التاريخية وبدا جزء منها مدمراً (الشرق الأوسط)

عند التاسعة صباحاً من يوم جمعة وصلنا إلى مدينة إدلب، في رحلة سياحية انطلقت من العاصمة دمشق قبل أربع ساعات، كأول رحلة ينظمها فريق «دروبنا للمسير» إلى شمال غربي سوريا بعد سقوط النظام.

في الرحلة مشاركون من مختلف الأعمار، ولكنهم كلهم يكتشفون إدلب للمرة الأولى. عند الوصول إلى جسر الرستن سيطر الخوف على الجميع، وارتفعت الدعوات والصلوات.

هنا، لا تزال الحُفَر التي أحدثها القصف الروسي قبيل سقوط النظام شاهدة على ما عاشته تلك المناطق. ومع إظهار أبو محمد، سائق الحافلة وابن مدينة داريا، براعةً في اجتياز المسافة الخطرة، بدأت الرحلة تتحول من نشاط سياحي إلى نشاط سياسي تتخلله نقاشات وتبادل آراء.

في الساحة الرئيسية عند مدخل مدينة إدلب أُنشِئَت جدارية رسم عليها خريطة سوريا باللون الأخضر، وكُتب عليها: «سوريا لكل السوريين»، وعلى الوجه الآخر كُتب «إدلب الخضراء» ودُوّن تحتها تاريخ سقوط النظام. وعند قاعدة الجدارية الضخمة، غفا يافع متدثراً بحرام صوفي على فراش إسفنجي، في مشهد بائس يعبر إلى حد بعيد عن المشهد السوري الراهن بين الأمل وثقل تركة الحرب.

المحلات التجارية كانت مغلقة، وعدد المارة قليل؛ فاليوم يوم العطلة الأسبوعية. إلا أن مشهد النساء والرجال القادمين من العاصمة حرك فضول الشباب والأطفال، وراحوا يتوافدون على الساحة لاستطلاع أسباب الزيارة.

بيوت مهدمة في بلدات محافظات إدلب (الشرق الأوسط)

«نحبهم ولا يحبوننا»

محمد صابرين شاب عبَّر عن فرحه بالزائرين، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «نظام الأسد ظل يقصفنا حتى آخر أيامه. البناء الذي نسكنه نزل عليه عشرون صاروخاً... ماذا فعلنا لقصفنا هكذا؟!». وأضاف مرحباً: «أهل إدلب طيبون جداً ويصنعون (شعيبيات) طيبة جداً»، وهي حلوى محلية تشتهر بها إدلب.

ويعود محمد ليؤكد: «تحملنا القصف حتى تتحرر سوريا كلها ونذهب إلى دمشق ويأتي أهل دمشق إلينا». قاطعه شاب آخر تزامن مروره في الساحة بقول جازم: «أبناء المدن الأخرى لا يحبون إدلب ويتهموننا بالتشدُّد وهم لا يعرفوننا»، ثم انضم شاب ثالث مظهراً امتعاضه من رد ممازح بأن دمشق أحبَّت أبو محمد (الرئيس أحمد الشرع) أكثر من إدلب، حيث كان الناس يتظاهرون ضده. وقال بنزق: «أبو محمد الجولاني شيخنا نحبه ونريده أن يعود إلينا».

صحافية فرنسية شاركت في الرحلة لاحظت أن الأجواء في إدلب أقل توتراً وأكثر رحابة من الأجواء في العاصمة. هاشم غزال من حارم أخبرنا أنه عندما تحرَّرت الطرقات والمناطق، تطوَّع لتوزيع الخبز في الأحياء الفقيرة، لكنه اصطدم بجفاء بعض أبناء مدينة حلب، واعتبارهم أن «أهل إدلب كلهم مقاتلون متشددون متعطشون للدماء».

سعد أحمد صاحب سلسلة مقاهٍ في إدلب يشارك هاشم الرأي، ويقول: «الذين يتهمون أهالي إدلب بالتشدد يتجاهلون أن مجتمعنا محافظ من قبل الثورة»، مطالباً بضرورة إطلاق عملية «اندماج بين السوريين» بعد التحرُّر من نظام الأسد. وأضاف: «عندما زرتُ أقربائي في دمشق فوجئتُ بأسئلة حول فرض النقاب وحكم الشرع، وكأن إدلب ليست سوريا».

لكن يبقى أن أكثر ما يؤلم سعد، وكان من المقاتلين أثناء الثورة «مبالغة أهالي المدن التي كانت تحت سيطرة النظام بالاهتمام بالأسواق الحديثة في إدلب المليئة بالبضائع التركية والأجنبية»، متمنياً على السوريين القادمين إلى إدلب الاطلاع على واقع المخيمات قبل التوجه إلى الأسواق، فـ«هذا ما يستحق الاهتمام»، بحسب قوله.

مخيمات لجوء... و«أدلبة» دمشق

في الطريق إلى حارم (30 كلم شمال غربي إدلب) تناثرت مخيمات اللاجئين على امتداد مساحات واسعة، ومنها ما تم تخصيصه للاجئين من مناطق ريف دمشق. ويعتز الأدالبة بأن محافظتهم احتضنت نازحين من مناطق سورية عديدة، ويقدرون عدد المخيمات بأكثر من 1124 مخيماً. مرافقنا محمد الشيخ من فريق «ملهم» التطوعي تحدَّث عن الجهود التي تبذل في مشروع «قادرون» لبناء وحدات سكنية في منطقة حارم للمتضررين من الزلزال؛ حيث تم إنجاز 352 شقة سكنية في أرمناز، كما تحدث عن وضع سكان المخيمات وضخامة هذا الملف.

مخيم للنازحين في منطقة حارم في محافظة إدلب (الشرق الأوسط)

محمد سعيد بشتيني معتقل من بلدة حمورية بريف دمشق تحرّر من سجن صيدنايا بعد سقوط النظام، وجاء إلى إدلب حيث لجأ والداه، قال: «لن أفكر في العودة إلى دمشق لأنها قاسية جداً»، بحسب قوله. فبعد خمس سنوات من الاعتقال في صيدنايا باع خلالها والده بيته وكل ما يملك ليدفع رشاوى للسجانين، خرج بعد سقوط النظام ليجد أن «الدمشقيين لم يعرفوا بما يجري في صيدنايا! كنا نموت تحت التعذيب، وكانوا يعيشون حياة طبيعية»!

النساء معيار الاغتراب

حالة من الاغتراب وفجوة كبيرة بين المناطق تكشَّفت فجأة للسوريين بين من سكنوا مناطق النظام وأبناء محافظة إدلب التي أطلق عليها اسم «مناطق المحرر»، وكان محظوراً عليهم التواصل، حتى لو باتصال هاتفي، تحت طائلة الاعتقال.

في دمشق اليوم من يتحدث عن محاولة «أدلبة» سوريا، ويرى أن القادمين من الشمال جاءوا إلى العاصمة بعقلية الفاتحين الذين يتقاسمون الغنائم من مناصب وكراسيّ، كما يأخذون على الحكومة سعيها لتعميم تجربة إدلب في الإدارة، وكثيراً ما تتكرر جملة «دمشق ليست إدلب»، ناهيك بالمخاوف من «التشدد» وفرض النقاب.

زائرة تلتقط صورة تذكارية أمام إعلان يدعو لعدم التبرج والالتزام باللباس الشرعي في أحد مولات مدينة إدلب (الشرق الأوسط)

بعض السيدات من غير المحجبات المشاركات في الرحلة أظهرنَ رغبة في اختبار تقبُّل أهالي إدلب لهن، لا سيما وقد شوهِدَت لوحة إعلانية الكبيرة تتصدر مدخل أحد المولات تنهي النساء عن التبرُّج، وتدعو إلى الالتزام باللباس الشرعي، فبادرت إحدى السيدات إلى التقاط صورة تذكارية أمام الإعلان.

المول الواقع في حي الجامعة، ويبدو حياً راقياً من حيث الأبنية ذات الواجهات الحجرية البيضاء والمبنية حديثاً، تعرَّض للقصف مراراً وأعيد بناؤه كما غالبية الأبنية في مدينة إدلب. وتظهر المولات كجزر ضوئية مبهجة وقد باتت مقصداً للسوريين من المناطق المحرَّرة حديثاً، كما تُعدّ متنزها للعائلات والنساء يتنزهن ويتسوقن؛ سواء منتقبات أو محجبات بوجه مكشوف ولباس ملوَّن. إلا أن كل تلك المظاهرة التي تشير إلى تعافي المحافظة لم تفلح كثيراً في التغطية على حالة البؤس العام.

ولم تتعرَّض النساء في الرحلة السياحية لمضايقات لعدم الالتزام باللباس الشرعي، كما كان متوقَّعاً، ولم يُلحَظ أي سلوك عدائي تجاههن، وإنما مجرد فضول ومحاولة معرفة إذا كان بينهن غير مسلمات.

رسامة الكاريكاتير أماني العلي في منزلها بمدينة إدلب (الشرق الأوسط)

وتعرفت المجموعة إلى رسامة الكاريكاتير الشابة أماني العلي، التي وصلت إلى العالمية برسوماتها ومقابلات أجرتها للإعلام الدولي وأفلام وثائقية عن سيرتها. وقالت: «(هيئة تحرير الشام) لم تكن راضية عن رسوماتي ولا حتى المجتمع، لكنني لم أتعرض لمضايقات بشكل مباشر».