خطة تسليم حماس لإسرائيل

أبو عبيدة المتحدث باسم الجناح العسكري لحركة حماس

يُحكى أن قرية دخلها جنود في غياب رجالها، فنهبوها، وبعد ذلك اعتدوا على كل نسائها ما عدا واحدة كانت شجاعة، فقاومت الجندي وقتلته، وقطعت رأسه، وبعد أن أنهى الجنود فعلتهم، وذهبوا؛ خرجت كل واحدة من النساء من بيتها تلملم ملابسها الممزّقة وهي تبكي، إلا هي فقد خرجت من بيتها مرفوعة الرأس، وألقت برأس الجندي أمامهنّ.

وقالت لهنّ في عزة وفخر: هل كنتنّ تظنن أنني سأتركه يفعل فعلته دون أن أقتله، أو يقتلني؟ فنظرت نساء القرية إليها في كُره وحقد، وقررن قتلها؛ حتى لا تفضحهن أمام أزواجهن، وتتعالَى عليهن بشرفها، فاجتمعن عليها في حين غفلة قبل عودة أزواجهنّ، وقتلنها؛ حتى لا تُشعِرهن بالعار.

ربما نتذكر هذه القصة ونحن نرى ما يحدث -حاليا- لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بعد أن لقّنت منذ أشهر الكيان المحتل درسا كبيرا وجعلته يستعين بالغرب والشرق؛ لمساعدته على القضاء عليها، ورغم كل هذه الجيوش، وحاملات الطائرات، والصواريخ، ومئات الآلاف من أطنان المتفجرات التي أُلقيت على قطاع غزة منذ بداية معركة “طوفان الأقصى”، وكذلك العشرات من المذابح، وحرب الإبادة التي تحدث يوميا في القطاع؛ فإن حماس لم تتزعزع أمام كل هذا، ولم يتم القضاء عليها حتى الآن، وما زالت كلمتها باقية.

ولأنّ هناك دولا في المنطقة تريد القضاء على المقاومة (وفي القلب منها حماس)؛ كُرهًا للإخوان والحركة، وهذا ما كشفت عنه إسرائيل أكثر من مرة، وهو ما تعرفه معظم الشعوب الإسلامية؛ لأن حماس كشفت عورتهم، وعرّتهم بصمودها الأسطوري؛ فقد أصبح التخلص من حماس رغبة لدى العديد من الأنظمة مثلما كانت رغبة نساء القرية في التخلص من الشريفة وسطهنّ؛ ليتم قتل الشرف لصالح العار.

خطة بايدن ورفض حماس

لذلك، طالب بايدن الدول العربية بالضغط على حماس؛ لقبول صفقته، وحتى تتوقف آلة القصف الإسرائيلي، ووقف تدمير ما بقي من القطاع، من دون جدول زمني محدد، وضمانات محددة، في مقابل موافقة حماس على تسليم الأسرى، وبالفعل، مارست بعض الدول ضغوطا على حماس للموافقة على خطة بايدن، وفي الوقت نفسه، يمنّون النفس بهزيمة حماس، والقضاء عليها.

وحسنا فعلت حماس في رفضها المقترحات التي اقترحها بايدن لوقف القتال من دون تحديد جداول زمنية، وتسليم حماس جميع الأسرى الإسرائيليين (أو ما يطلقون عليه هم الرهائن) من دون مقابل سوى وقف القصف الإسرائيلي، ومن دون أي ضمانات إلا ضمان أمن إسرائيل، ووقف خسائرها التي تظهر كل يوم.

وبعد أن استمرت المقاومة في الصمود منذ حوالي أكثر من 8 أشهر ونصف تقريبا أدى ذلك إلى خلافات داخلية داخل الكيان الصهيوني على مستوى الحكومة والمواطنين، وسكان المستوطنات، وجعل فكرة القضاء على حماس مستحيلة بالنسبة لهم بعد أن كانت هي أهم أهداف الحرب، وأما بالنسبة لتحرير الأسرى، فقد فشلوا في تحريرهم؛ بل قتلوا العديد منهم خطأً، أو عمدًا وفق قانون “هانيبال” الذي يطبقونه، والذي ينص عندهم على قاعدة “جندي قتيل أفضل من أسير حي”.

ورغم وجود رغبة مجتمعية لدى الكيان المحتل في القضاء على حماس، ويتفق معه الغرب وأمريكا وبعض دول المنطقة على ذلك؛ فإن حماس أصبحت صعبة المنال عليهم؛ مما جعل المتحدث باسم جيش العدو الإسرائيلي يقول في مقابلة إن تدمير حماس “هو بمثابة ذرّ الرماد في عيون الجمهور”، وأضاف: “حماس فكرة، ومَن يظن أنه يمكن جعلها تختفي فهو مخطئ. ما يمكن فعله هو تنمية شيء آخر، وإن المستوى السياسي هو الذي سيقرر للوصول إلى الوضع الذي تريدون فيه إضعاف حماس.. هذا هو الطريق”.

ومن ضمن كلام المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري: “إن حماس هي حزب وفكرة مغروسة في قلوب الناس، ومَن يظن أن بإمكانه اجتثاثها من قلوب الناس فهو مخطئ”.

وسارع نتنياهو إلى التوضيح، فقال: “إن تدمير القدرات هو أحد أهداف الحرب”، لتتغير الأهداف من القضاء على حماس نهائيا إلى تدمير للقدرات! وهكذا انكشفت الوعود الفارغة بأن الكيان سيتمكن من تدمير حماس، وإعادة لبنان إلى العصر الحجري.

كما تسببت حماس أيضا في إحداث خلاف داخل إسرائيل، وخلاف بينها وبين الولايات المتحدة بعد تصريحات نتنياهو الأخيرة بخصوص انتقاده سياسة واشنطن بشأن الأسلحة، ومحاولة الضغط عليها إعلاميا؛ لتزويده بكميات أكبر منها؛ مما جعل تلك الخلافات تظهر على السطح، رغم تعاونهما الوثيق للقضاء على المقاومة.

حماس ونهاية تاريخ نتنياهو

إن محاولة التفكير في غزة ما بعد الحرب من دون وجود حماس طرفًا في المعادلة قد فشلت، كما أن جيش الاحتلال مرتبك، ونتنياهو يعاند؛ لأنه يعلم جيدا أنه في اليوم التالي لانتهاء الحرب سيكون في السجن لتتم محاكمته، وسوف ينتهي تاريخه السياسي مدى الحياة ويصبح أسوأ رئيس وزراء مر على إسرائيل؛ لذا يعمل على تمديد زمن الحرب، بل ربما يفتعل حربا أخرى في الشمال مع حزب الله في لبنان، ليستمر فترة أخرى أطول ربما تمدّ في عمر منصبه شهورا أخرى.

ونصيحة لبايدن بأن يوفّر تذكرة هجرة لنتنياهو -لأنه معروف ببخله وفساده- إلى بولندا موطنِه الأصلي؛ ولأنه سوف ينتهي حتما، وستبقى فلسطين، وفي القلب منها غزة وحماس؛ لأن هذه أرضهم، وأرض أجدادهم على مرّ السنين.

المصدر : الجزيرة مباشر