“سالوت يالبنّوت”.. نغمات وردية تكسر القوالب التقليدية في السودان
“زكية هي المشجع الأكبر لنا”. بهذه الكلمات افتتحت مديرة فرقة “سالوت يالبنوت” السودانية النسائية حديثها في فيلم بهذا العنوان بثته قناة الجزيرة الوثائقية ضمن سلسلة “نغمات وردية”.
زكية هي أول امرأة تعزف على آلة الغيتار الموسيقية في السودان وفي العالم العربي، وتعتبر أيضا أول مبادِرة لعمل الفرق الموسيقية النسائية.
فتيات الفرقة.. أطياف متنوعة في ظلال الخبرة
أولى عناصر فرقة “سالوت يالبنّوت” هي زكية أبو القاسم، وهي صاحبة الفكرة القديمة والتجربة السابقة، وهي امرأة كبيرة في السن، بدأت العزف على الآلات الموسيقية منذ ستينيات القرن الماضي، وأسست فرقة نسائية قديما، وتوقفت بعد حوالي عشرين سنة. وهي التي تستضيف فتيات الفرقة في منزلها للتدريب ولتطبيق “البروفات”.
أما إنعام موسى -وهي مسيحية الديانة- فهي صاحبة فكرة تأسيس الفرقة الحالية، وتفتخر بمسيحيتها من خلال إظهار الصليب الذي تعلقه على صدرها في المقابلات الإعلامية وفي البروفات والمشاركات المصورة، من باب تنوع أطياف الفرقة، وهي التي تضرب على الطبل.
وهناك هبة الطيب مديرة الفرقة، وأختها تهليل الطيب المغنية والمؤدية في الفرقة، وابتهال إدريس حسن عازفة “الأورغ” والعضوة المشاركة في تأسيس الفرقة مع إنعام، وناريمان إيهاب، وهي عازفة على البيز وعلى الغيتار، كما أنها أيضا حفيدة زكية.
“سالوت يالبنوت”.. فرقة تنبثق من رحم الورشة الموسيقية
بعد الإعلان عن ورشة تدريبية موسيقية في الخرطوم خاصة بالفتيات، تقدمت الفتيات للمشاركة في الورشة، فتعرفن على بعضهن هناك.
بعض المشاركات في الورشة كُنَّ من المطلعات على الموسيقى ولهن سابق تجربة، وبعضهن كن ضليعات في المجال، بينما كانت الأخريات ضعيفات في الموسيقى، وتقتصر معرفتهن على ما تعلمنه في الجامعة، وما يعرفن من معلومات عامة.
وفي تلك الورشة، قررت إنعام مفاتحة ابتهال في موضوع تأسيس فرقة موسيقية لتطبيق ما تعلمن في هذه الدورة التدريبية المصغرة. وهذا ما حصل فعلا.
تقول إنعام موسى إنها كانت قديما تجلس وتفكر في نفسها، وتنظر في مستقبلها وماذا تريد أن تكون، ففكرَتْ في الانضمام إلى الفرقة من باب الهواية فقط. ولكن يوما بعد يوم، ومع كل تدريب، ومع كل تجربة جديدة، وجدت نفسها في هذه الهواية، وأصبحت متمسكة بها، وتريد أن تبذل مع الفرقة كل ما تستطيع.
وعن معنى اسم الفرقة تقول ابتهال إن كلمة “سالوت” (salute) إنجليزية، وهي بمعنى طرح السلام وإلقاء التحية، وكلمة “البنّوت” هي كلمة تراثية سودانية، وهي جمع كلمة بنت. وأصل فكرة الاسم هي الجمع بين لغتين، كما هي طبيعة أغاني الفرقة التي تجمع في أغانيها بين اللغتين العربية والإنجليزية.
أغاني الفرقة.. بهجة تكسر القوالب ولا تصادم المجتمع
تقول ابتهال إن الفرقة تعبر عنهن معشر الفتيات، وتعبر عن شعورهن وعما يمسّهن. ومنذ البداية -وكما يظهر في المشاهد الأرشيفية التي بُثت في الفيلم- كانت عضوات الفرقة يشاركن في الحفلات الراقصة الشبابية، وكن يجعلن الشباب مسرورين ومبتهجين في تلك الحفلات.
وفي ذلك الجو كن يجدن أنفسهن، لأن الفن النسائي في السودان مرتبط بأشياء محددة. ومن أجل الخروج عن هذا القالب -حسب تعبير ابتهال- فقد قررن أن يعملن شيئا له علاقة بالفن يكون معبرا عنهن، ولا يصطدم بعادات المجتمع.
ومما يعبر عن هوية الفرقة أيضا تنوع أغانيها التي تضم كل أطياف المجتمع السوداني. وكذا العضوات المشاركات في الفرقة، فتنوع منابتهن ولباسهن يعتبر في حد ذاته إضافة للفرقة ومميزا لها عن غيرها من الفرق.
تقول تهليل إنها أحبت الفرقة والعمل معها، وقد أشعرها الظهور أمام الناس بالفرق. أما ابتهال فتقول إن الفرق النسائية السودانية المنتشرة هي عبارة عن ترديد لأغان سودانية موجودة في الواقع، على عكس فرقة “سالوت”، فقد أرادت منذ البداية أن تقدم للجمهور شيئا مميزا من خلال تقديم أغان شرقية وغربية ومحلية في خلطة جديدة.
عقبات الطريق.. تخوف الأهالي في ظل انفلات الأمن
شاركت الفرقة في الثورة السودانية عام 2018، وكانت عضواتها في طليعة الثائرات، واعتُقل بعضهن، بينما كانت البقية تجهز وتتدرب على بروفات لأغان ثورية جديدة تشارك فيها الشارع الثائر. وتقول العضوة المؤسسة ابتهال إدريس إنها اعتُقلت في يوم 30 يونيو/حزيران 2018، وكان ذلك اليوم هو أسوأ يوم في حياتها، وكانت تلك التجربة أسوأ تجربة مرت عليها في حياتها.
تقول الجدة زكية إنها منذ تجربتها السابقة في تأسيس فرقة نسائية بستينيات القرن الماضي عانت من عدم قبول الشارع للفكرة، ورفض العائلات السودانية مشاركة بناتهم في مثل هذه الفرق، وحتى انتهاء تلك الفرقة وتلك التجربة في نهاية الثمانينيات لم تجد تغييرا في موقف الأهالي.
وتقول حفيدتها ناريمان إيهاب إنهن ما زلن يعانين من نفس المشكلة، ويلاقين نفس العقبة في القرن الحادي والعشرين، فلا قبول ولا تنازل من العائلات السودانية في هذه النقطة بالذات.
والسبب في ذلك يعود إلى التأخير في السهر وفي العودة إلى البيت، وفي السفر الذي تضطر له الفرقة، نظرا لمشاركاتها الخارجية والداخلية. وتقول إرسال إبراهيم -والدة إنعام- إن البلد لم تعد آمنة بما يكفي، فهنالك حالات سرقات وخطف حصلت للفتيات، والأهالي يخافون على بناتهم.
ومن العقبات أن الناس ينظرون إلى الفتيات المطربات والراقصات نظرة انتقاص، فوالدة إنعام نفسها كانت تعارض دراسة ابنتها لتخصص الموسيقى في الجامعة، ولكن والدها كان يراها منذ صغرها وهي تدق على الإيقاع بشكل جيد، وترقص في الحفلات، فشجعها على الدخول في هذا المجال.
توارث الموسيقى.. أمنية الجدة القديمة تتحقق
تقول صاحبة الفكرة والفرقة القديمة زكية أبو القاسم إنها حين كانت صغيرة شاهدَت حفلا موسيقيا لفنانة أفريقية في المسرح القومي في الخرطوم.
ثم بعد فترة زمنية طويلة عادت تلك الموسيقية الأفريقية مرة أخرى لتعزف ثانية في الخرطوم، ولكن هذه المرة كانت حفيدتها تعزف معها، فتمنَّت في نفسها بأن يأتي اليوم الذي تصبح فيه مثل تلك الموسيقية، وأن تعزف معها إحدى حفيداتها.
وهذا ما سعت إليه، وهو ما يحصل الآن من خلال فرقة “سالوت يالبنوت”. ولذلك فهي تحب هذه الفرقة وتخدمها بكل ما تستطيع، لأنها حققت لها أمنيتها.