مستخدم:محمد الغزالي20/ملعب
مكتبات وقفية أو المكتبات الوقفية: "هي دور تحتوي على مجموعة من أوعية المعلومات؛ يتم تحبيسها لتقديم خدماتها للمستفيدين الراغبين في الاطلاع والبحث؛ راجين بذلك المثوبة والأجر من الله"،[1] واعتماداً على هذا الأساس كان المسلمون مبادرين إلى إنشاء المكتبات الوقفية منذ القرن الأول الهجري،[2] كونها الحاضن الطبيعي لعصارة أفكار علماء الأمة ومفكريها،[3] ثم تطورت وازدهرت في القرن الثاني الهجري، وذلك بعد تأسيس الدولة العباسية بفترة وجيزة،[4] ثم بعد التطور والازدهار في القرون الوسطى؛ تقهقرت المكتبات الوقفية الإسلامية، نتيجة عوامل داخلية وخارجية،[5] ثم تراجعت وتطورت في العهد العثماني، حتى أصبحت المكتبة جزءاً من الممتلكات الضرورية في المجتمع العثماني،[6] وقد أُنشئت المكتبات الوقفية بطريقتين: الأولى: وهي أن تقوم الدولة بإنشاء المكتبة الوقفية العامة المستقلة، أو الملحقة بالمؤسسات التعليمية والدينية، أو إنشاء المكتبات الأكاديمية، ثم تتكفل بالإنفاق عليها، إما من بيت المال، وإما أن يكون الإنفاق من مال الخليفة الخاص، أو من يتقلد إدارة مهمة جهاز الدولة. وأما الطريقة الثانية: فهي قيام الأفراد العاديين من مختلف طبقات الناس بإنشاء مكتبة عامة أو ملحقة بمدرسة أو مسجد أو مستشفى، وعادة ما يتكفل الواقف بنفقات تلك المكتبة.[7]
نشأة ومراحل تطور المكتبات الوقفية
لقد مرت المكتبات الوقفية بأدوار ومراحل مختلفة عبر تاريخها، تتلخص فيما يأتي:
أولا: النشأة والبداية (القرن الأول الهجري).
وكان الاهتمام في هذه المرحلة على تدوين القرآن الكريم والحديث الشريف؛ لذا تعد نسخ القرآن الكريم والحديث النواة الأولى لمكتبات المساجد في الإسلام،[1] فقد أدرك كل الواقفين في هذه المرحلة للمدارس، وزوايا العلم، وحلقات الدرس في المساجد أهمية الكتاب لنشر العلم، وأن الاقتصار على تشييد الأبنية وتوفير جهاز للتدريس غير كاف، فاهتموا بوقف الكتب عليها لتكون وسيلة ميسرة للتحصيل والمراجعة، توفر مادة علمية يستند إليها المعلم والمتعلم في وقت واحد، فأصبح من المعتاد وجود مكتبة في كل مدرسة، أو جامع، أو رباط وقف على طلبة العلم وغيرهم،[4] وكان وقف الكتب بمكة في القرن الهجري الأول كما في مكتبة: (عبد الحكيم بن عمرو بن عبد الله بن صفوان) الذي عاش في عصر بني أمية.[8]
ثانياً: عصر النمو والتطور والازدهار (القرن الثاني وحتى بداية السابع الهجري).
وتبدأ هذه المرحلة بعد تأسيس الدولة العباسية بفترة وجيزة، وكان أوجَّها في زمن المأمون الذي شجع العلم والعلماء، وفي هذه المرحلة كانت المكتبات الوقفية الإسلامية مراكز إشعاع ثقافي. ففي القرن الثاني الهجري ظهرت بيت الحكمة ببغداد، وكان من بين أقسامها مكتبة حظيت بعناية مجموعة من خلفاء بني العباس، وبخاصة المأمون. ومكتبة بيت الحكمة كان الهدف من وراء إنشائها مساعدة العلماء والباحثين بتوفير أكبر قدر من مصادر المعلومات لهم لتسهيل سبل الدرس والمطالعة والتأليف والترجمة لمن يرغب في ذلك،[4] وانتشرت خزائن الكتب الوقفية منذ القرن الرابع الهجري، بحيث يمكن القول بأنه قلما تخلو مدينة من كتب موقوفة. وبلغ من انتشار هذه الخزائن وتوافرها في الأندلس أن أبا حيان التوحيدي النحوي كان يعيب على مشتري الكتب، ويقول: "اللَّه يرزقك عقلا تعيش به، أنا أي كتاب أردته استعرته من خزائن الأوقاف.[9]
وللدلالة على ضخامة عدد المكتبات الوقفية وشيوعها في هذه المرحلة، نشير إلى أنه كانت في مدينة (مرو الشاهجان) خزائن للوقف، وذلك في القرن السابع الهجري، يقول عنها ياقوت الحموي: "لم أر في الدنيا مثلها كثرة وجودة، منها خزانتان في الجامع إحداهما يقال لها: (العزيزية) وقفها رجل يقال له: (عزيز الدين أبو بكر الزنجاني). وكان فقاعياً للسلطان سنجر.. وكان فيها اثنا عشر ألف مجلد أو ما يقاربها، والأخرى يقال لها: (الكمالية) .. وبها خزانة شرف الملك المستوفي أبي سعيد محمد بن منصور في مدرسته، وخزانة نظام الملك الحسن بن إسحق في مدرسته للسمعاني، وخزانة أخرى في المدرسة العميدية، وخزانة لمجد الملك أحد الوزراء المتأخرين بها، والخزائن الخاتونية في مدرسته، والضميرية خانكاه هناك، وكانت سهلة التناول لا يفارق منزلي منها مائتا مجلد وأكثره بغير رهن، تكون قيمتها مائتي دينار، فكنت أرتع فيها وأقتبس من فوائدها، وأنساني حبها كل بلد وألهاني عن الأهل والولد، وأكثر فوائد هذا الكتاب وغيره مما جمعته، فهو في تلك الخزائن"([13]).[9]
وقد ساعدت أنماط الوقف الإسلامية على ازدهار العلم والثقافة في العالم العربي والإسلامي في هذه المرحلة -العصور الوسطى-، وذلك بالكتب والمكتبات، ويعد وقف الكتب الأساس الذي قامت عليه المكتبة العربية، وهو يشمل وقف المكتبات بأكملها، ووقف الكتب على المدارس والمساجد والمشافي والمراصد والربط والخانقاهات. كما كان هناك نوع من الوقف يتمثل في وقف كتب عالم بعد وفاته على أهل العلم أو على ورثته، واهتم واقفو المكتبات المستقلة أو تلك التي كانت في مدارس أو مساجد بتوفير دخل مادي ثابت لها لصيانتها وترميمها، وتحمل التكاليف المادية للعاملين فيها، وخَصَّص بعضهم ريعاً يساعد على نماء المجموعة وازدهارها عبر السنين([14]).[10] وهناك مئات من العلماء والمفكرين والأدباء قد وقفوا كثيراً من الكتب والمكتبات الكاملة أحياناً، نطالعها في معجم الأدباء لياقوت الحموي، وكتاب سير أعلام النبلاء للذهبي، والدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر العسقلاني. ويقول الدكتور يحيى محمود بن حيدر([15])[11]: "وتحمل النصوص الوقفية على الكتب في الغالب معلومات تدل على عمق الحرص على هذه الظاهرة والاهتمام باستمرارها بوصفها وسيلة من وسائل توفير العلم لأبناء المجتمع؛ فمن ذلك تعيين ناظر يتولى التصرف في الكتاب وإتاحته للمستفيدين، وعدم حجزه أو منعه، والتشديد على من قد يتصرف في تغيير صفة الوقف عنه، وفي بعض الأحيان السماح بإعارته مدة محددة، كما أن بعض نصوص الوقف فيها ما يدل على تراجع عن التصرف في كتاب وقفي، وإعادة صفة الوقف إليه مرة أخرى، نزولاً على الحق، مما يدل على احترام المجتمع لهذه الظاهرة والحرص عليها([16]).[10]
ثم بعد ذلك التطور والازدهار؛ تقهقرت المكتبات الإسلامية، نتيجة عوامل داخلية تعرض لها العالم الإسلامي، أو عوامل خارجية كالغزو المغولي الذي أحرق مكتبات بغداد، والغزو الصليبي الذي دمر مكتبات بلاد الشام، وما فعله الإسبان، فقد أحرقوا كثيراً من المكتبات الإسلامية في الأندلس([17]).[5]
ثالثاً: المكتبات الوقفية في العهد العثماني:
وفي بداية العهد العثماني استعادت (المكتبات الوقفية) نشاطها، ويعتبر أورخان غازي ثاني سلاطين الدولة العثمانية، أول من أسس نظام الأوقاف في الدولة العثمانية عام: (731هـ-1330م)، واستناداً لوقفية موجودة ضمن سجلات الدولة الرسمية، فإن أول مكتبة وقفية هي دار الحديث في محافظة (أدرنة)، وقد أُسست من قبل السلطان مراد الثاني عام: (838هـ)؛ حيث وضع فيها: (71) مجلداً من الكتب والمخطوطات. وفي عام: (843هـ) أسس أومور بن تيمور تاش باشا، مكتبة وقفية في المسجد الذي مسمى باسمه في مدينة بورصا؛ حيث أوقف فيها: (33) كتاباً باللغة العثمانية، بشرط أن لا يخرج الكتب خارج الجامع، وقد عَيّن مؤذن الجامع، براتب أقجة واحدة يومياً، كي يكون حافظاً للكتب. وقد وصل فيما بعد عدد الكتب الموقوفة لهذه المكتبة إلى: (300) مجلد. هذه كانت بداية تأسيس المكتبات وبعدها أصبحت المكتبة جزءاً من الممتلكات الضرورية في المجتمع العثماني([18]).[6]
ومن المكتبات في العهد العثماني على سبيل المثال: مكتبة آيا صوفيا، مكتبة نور عثمانية، مكتبة أسد أفندي، مكتبة راغب باشا، مكتبة خديجة سلطان، مكتبة سلطان عبدالحميد الأول، مكتبة فيض الله أفندي، مكتبة شهيد علي باشا، مكتبة سلطان محمود الثاني، مكتبة سلطان أحمد الثالث، مكتبة مرزيفونلوكره مصطفى باشا، مكتبة عارف حكمت، مكتبة دباغ زادة ابراهيم أفندي، مكتبة كوبرولو، مكتبة بشير أغا([19]).[6]
رابعاً: مرحلة إعادة البناء والنهوض.
وتأتي هذه المرحلة –إعادة البناء والنهوض- على قاعدة التنمية الشاملة للوقف الإسلامي من منطلق: أن هذه الصعوبات التي تعترض وقف الكتب أو الوقف عليها؛ لا ترقى إلى أن تحول دون الاستمرار في هذا النهج الحضاري المطلوب دائماً في سبيل نشر الكتاب بين مريديه والمستفيدين منه؛ مما ينعكس إيجاباً على العلم والفكر والثقافة، ويثري الحركة الثقافية بالتأليف والترجمة والنشر، ولا ينبغي النظر إليها إلا من منطلق أنها بحاجة إلى من ينظر إليها نظرة جادة؛ تضعها في موقعها اللائق بها، فلا تهمل إهمالاً يضر بحركة الوقف، ولا توضع على أنها عقبات كأداء تحد من الاستمرار في الدعوة إلى المزيد من جهود الواقفين؛ ذلك أنه مع الصعوبات التي تعترض وقف الكتب والمكتبات، يظل هذا الأسلوب الحضاري من أهم الموارد التي تعين على بناء المكتبات في المجتمع المسلم([20]).[12]
أنواع المكتبات الوقفية:
يمكن حصر أنواع المكتبات الوقفية في تاريخ حضارة المسلمين في الآتي:
أولاً: المكتبات العامة:
وهي نوعان: المكتبات العامة المستقلة أو دور العلم، والمكتبات العامة المُلحقة بالمؤسسات التعليمية والدينية والاستشفائية([21]).
ثانياً: مكتبات المساجد والجوامع:
وقد نشأ وقف الكتب مع نشأة الجوامع والمساجد وتطورها، ونشأ التعليم أولاً في المساجد([22]) فاستدعى ذلك ضرورة وجود الكتاب ومن ثم المكتبة، وكانت المصاحف أوّل وأقدم ما كان يوقف فيها([23])، ولم يكن وقف الكتب مألوفاً إلا في نهاية القرن الثالث الهجري، ثم جرت العادة بعد ذلك عند أغلب العلماء أن يوقفوا كتبهم وأحياناً مكتباتهم على الجوامع كي تعم الفائدة على العلماء وطلبة العلم، فقد أشار المقريزي في خططه إلى الكتب الموقوفة من طرف الفاطميين والأيوبيين والمماليك على الجوامع([24])، وأشار ابن كثير في البداية والنهاية إلى الكتب الموقوفة في الجوامع كالجامع الأموي([25])، وأشار ابن الأثير إلى الكتب الموقوفة في جامع قزوين([26]).
ثالثاً: مكتبات المدارس والجامعات:
ولأهمية الكتاب في عملية التعليم والتعلّم والبحث العلمي، اهتم الواقفون على المدارس بتوفير الكتب المشتملة على المعارف المختلفة على حسب تخصص المدرسة، حيث خُصِّصَ لها جزء كبير من ريع الأوقاف، ثم تزداد وتتضاعف هذه الكتب من خلال إيقاف العديد من العلماء، سواء من مؤلفاتهم، أو من مقتنيات مكتباتهم الخاصة، وفي غالب الأحيان يوقفون مكتباتهم كلها قبيل وفاتهم، أو يوصون بذلك، أما السلاطين والأغنياء والتجار فيساهمون بإثراء مكتبات المدارس بشرائهم للكتب وإيقافها، أو تزويد القائمين على هذه المدارس بالمال لشراء ما يلزم منها([27]).
فالنظامية شيّدت بها مكتبة عامرة بكتبها ومجلداتها([28])، ولم ينقطع عنها التزويد بالموقوفات من الكتب أبداً([29])، أما مكتبة المستنصرية فلم يُرَ لها مثيل([30])، وبنى السلطان نور الدين بن زنكي مدرسة في دمشق وألحق بها مكتبة([31])، وكذلك فعل صلاح الدين الأيوبي، والقاضي الفاضل وزيره الذي أسس مدرسته الفاضلية في القاهرة([32])، وأودع فيها حوالي مائتي ألف مجلد مما أخذه من خزائن الفاطميين، ويذكر ياقوت الحموي عدة مدارس كانت في مرو، كانت تحوي في زمانه مكتبات ضخمة، وكانت أبوابها مفتوحة للجميع([33]).
رابعاً: مكتبات المستشفيات أو البيمارستانات:
وقد عرف المسلمون البيمارستانات: مبكراً في تاريخهم، وتعتبر من أهم إسهاماتهم الحضارية في مجال الصحة، وقد أُنشئت مستشفيات عديدة في العالم الإسلامي شهدت رقياً في نظمها، وتطوراً في بحوثها الطبية مما أدهش العلماء الباحثين في كل زمان. وكانت البيمارستانات تضم في إيوان التدريس خزائن تحوي عدداً كبيراً من الكتب المتخصصة في الطب والصيدلة، وعلم التشريح ووظائف الأعضاء، إلى جانب علوم الفقه المتعلقة بالطب، كما كانت كتب الطب متوفرة للدارسين في المكتبات العامة أو الخاصة، بل وفي دكاكين الوارقين، مما يدل على اتساع حركة التدريس في هذا العلم. فمكتبة مستشفى ابن طولون بالقاهرة كانت تضم بين جنباتها أكثر من مائة ألف كتاب. أما البيمارستان النوري الكبير فقد احتوى على خزانتين للكتب موقوفة على تدريس الطب، إذ ذكر ابن أبي أصيبعة أن نور الدين قد وقف على هذا البيمارستان جملة كبيرة من الكتب الطبية.. فكان جماعة من الأطباء والمشتغلين يأتون ثم تجري مباحث طبية([34]).
أما البيمارستان العضدي ببغداد الذي أنشأه عضد الدولة بن بويه بغداد عام: (372ه- 982م) فكان يضم مكتبة علمية ضخمة وصيدلة ومطابخ([35]).
والمستشفى المنصوري وهو من أعظم المستشفيات في تاريخ الإسلام: أنشأه الملك المنصور سيف الدين قلاوون في القاهرة، وذلك سنة: (683ه- 1284م)، وكان فيه مدرسة للطب فيها قاعة للمحاضرات مزودة بمكتبة([36]).
خامساً: المكتبات الخاصة:
وهي المكتبات التي كان يُعنى بجمعها أفراد من الناس رغبة منهم في العلم([37])، مثل مكتبات الخلفاء والأمراء والوزراء والعلماء وغيرهم، ورغم أنها غير متاحة لجمهور الناس إلا أنها ساهمت في حركة الازدهار العلمي التي شهدها العالم الإسلامي على مدى قرون طويلة بطريقتين:
الأولى: اعتمد عليها العلماء وطلاب العلم المحظوظين أو المقربين من أصحابها، المسموح لها بارتيادها في دراستهم ومراجعاتهم، ووضع مصنفات، فقد سمح الأمير نوح بن منصور الساماني لابن سينا الطبيب الشاب الذي عالجه بالدخول إلى خزائن كتبه وتصفحها والإطلاع على فهرس محتوياتها، ومن ثم اختار ابن سينا بعض المراجع التي كان بحاجة إليها.
الثانية: أن أكثر المكتبات الخاصة أصبحت مكتبات وقفية في نهاية المطاف، فبرغبة من أصحابها وقفوها على العلماء وعلى طلبة العلم، وذلك إما في أواخر حياتهم وإما بترك وصية بذلك الوقف، ومثاله وقف مهذب الدين عبد الرحيم بن علي الدخوار، إذ أنشأ مدرسة لتعليم الطب وصارت تعرف بعد وفاته بالمدرسة الدخوارية، وأوقف عليها داره بمكتبتها وأملاكاً أخرى، واستمرت المدرسة الدخوارية في العطاء طويلاً([38]).
وابن النفيس (ت687ه) الطبيب الذي تخرج من المستشفى النوري، وانتهت إليه رئاسة الطب في مصر، عمل في البيمارستان المنصوري في القاهرة، وأوقف عليه داره وكتبه([39]).
وقد انتشر هذا النوع من المكتبات في جميع أنحاء العالم الإسلامي بشكل واسع، من الخلفاء والوزراء، والعلماء بل ومن أبسط الناس في الرعية([40]).
سادساً: المكتبات الأكاديمية:
وأشهر هذه المكتبات:
مكتبة بيت الحكمة ببغداد:
وظهرت بيت الحكمة ببغداد في القرن الثاني الهجري، وضمت مكتبة كبيرة، كان الهدف من وراء إنشائها مساعدة العلماء والباحثين بتوفير أكبر قدر من مصادر المعلومات لهم لتسهيل سبل الدرس والتأليف والترجمة لمن يرغب في ذلك([41]).
وكان لها شأن كبير في عصرها لما حوته من نفائس الكتب في شتى العلوم وبمختلف اللغات([42])، وكانت مركزاً للترجمة والتحقيق العلمي بالمعنى العلمي المعاصر، كما كانت مركزاً للتأليف والبحث والنسخ والتجليد([43])، وميداناً للإبداع والابتكار، فقد أوجد الخوارزمي محمد بن موسى (ت: 232ه) في بيت الحكمة علم الجبر والمقابلة، كما ترأس أبناء موسى بن شاكر دائرة العلوم الرياضية والهيئة والهندسة والحيل والنجوم والموسيقى([44]).
أما حجم المجموعات المكتبية التي تجمعت في مكتبة بيت الحكمة في قمة ازدهارها في عصر المأمون، فيرى بعض الباحثين أنها لا تقل عن مليوني مجلد، كما أنها قد غطت كل فروع المعرفة البشرية المعروفة في ذلك الوقت([45])، وبذلك كانت مركزاً قوياً للبحث العلمي في ذلك العصر([46]).
وقد تعددت طرق تزويد مكتبة بيت الحكمة بالكتب، كان أهمها: طرق التأليف الداخلي والخارجي، حيث كان المؤلفون يؤلفون كتباً خصيصاً لهذه المكتبة ويُثابون على ذلك. كما يدخل في عملية تزويد المكتبة طريق النقل والترجمة، حيث يثري قسم النقل والترجمة الموجود في بيت الحكمة مكتبتها بالكتب المترجمة مع الحفاظ على الأصل الذي تمت ترجمته. وأنفق الخليفة المأمون في بغداد وعلى مكتبتها بسخاء منقطع النظير، إذ كان يعطي على ترجمة الكتاب من اللغات الأخرى إلى العربية ذهباً([47]).
مكتبة دار الحكمة أو دار العلم بالقاهرة
أنشأها الحاكم بأمر الله الفاطمي بالقاهرة، وفتحت أبوابها سنة: (395ه- 1005م)، وجلس فيها القرأء والفقهاء والمنجمون والنحاة وأصحاب اللغة والأطباء، وجمع فيها من الكتب في سائر العلوم مالم ير مثله مجتمعاً([48]).
لقد كانت رغبة الحاكم بأمر الله شديدة في تنافس دار الحكمة بالقاهرة ببيت الحكمة ببغداد، ولذلك اهتم بها اهتماماً كبيراً ظهر ذلك جلياً في عنايته بدقة بنائها وحسن تأثيثها وكثرة الأوقاف عليها. وعُين في هذه المكتبة عمال يقومون بالخدمة والتنظيف، كما عُيّن لها مشرفون وخزنة ومناولون. ولتزويد مكتبة دار الحكمة أو دار العلم، نقل إليها الحاكم بأمر الله مجموعات كبيرة من أنفس الكتب الموجودة في مكتبة القصر الخاصة بالخليفة مما جعلها من أعظم الخزائن في الإسلام. واشتملت المكتبة على أقسام: قسم للفقهاء وقسم لقراء القرآن الكريم، وقسم ثالث: للمنجمين وقسم رابع لأصحاب النحو واللغة وقسم خاص للأطباء. وكان هناك قاعات للدارس وأخرى للمحاضرات والمناقشات والمناظرات. وقد أباح الحاكم بأمر الله الدار لسائر الناس على طبقاتهم ممن يؤثر قراءة الكتب والبحث والنظر. وكانت المكتبة تقدم لمن يشاء منهم الورق والحبر والأقلام كما كان فيها مكان لإقامة الغرباء. وبلغ عدد كتب هذه المكتبة حوالي مليوني ومائتي مجلد في مختلف فنون المعرفة والعلوم([49]).
المكتبات الوقفية في الغرب:
وأشهر هذه المكتبات:
مكتبة مؤسسة الفرقان في لندن:
تعتبر مكتبة مؤسسة الفرقان في لندن مكتبة مرجعية، حيث تحتوي مجموعة مواد متعمقة في التراث الإسلامي المخطوط. وقد أسست في يوليو 1990 وتم تدشينها رسمياً في 30 نوفمبر 1991م. أما الهدف الرئيسي للمكتبة هو دعم البحث العلمي في مجال التراث الإسلامي المخطوط، وتوفير الأدوات والمراجع للأساتذة والطلاب المهتمين بشكل خاص في مجالات دراسة المخطوطات الإسلامية([50]).
مكتبة المركز الإسلامي بلندن:
وهذه المكتبة هي ضمن مكونات المركز الإسلامي، وقد عمل القائمون على هذا المركز بجد ونشاط وقاموا بتأسيس مكتبة ضخمة تضم آلاف الكتب المتنوعة([51]).
مكتبة مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير):
وهذه المكتبة تتبع مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير)، وقد أطلق "كير" منذ عام 2001م عدداً من الحملات الكبرى لتوعية الرأي العام الأمريكي بصورة الإسلام والمسلمين الصحيحة، منها: حملة لتوفير 16200 مكتبة أمريكية عامة بمصادر تعليمية موضوعية عن الإسلام والمسلمين، وحملة لتوفير نسخ مجانية من الترجمة الإنجليزية لمعاني القرآن الكريم للأمريكيين الراغبين في قراءة القرآن، وحملة لتوفير مواد تعريفية مجانية للأمريكيين الراغبين في التعرف على حياة وتعاليم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم([52]).
انظر أيضا
المراجع العربية
- ^ ا ب محمد بن علي شماخ. "المكتبات الوقفية الإسلامية ومتغيرات عصر المعلوماتية". shamela.ws. 183. مجلة البيان. ص. 35، 36،38. اطلع عليه بتاريخ 2024-02-18.
- ^ مناهج جامعة المدينة العالمية. "كتاب أصول البحث الأدبي ومصادره - جامعة المدينة - المكتبة الشاملة". shamela.ws. جامعة المدينة العالمية. ص. 34. اطلع عليه بتاريخ 2024-02-18.
- ^ عمر عبد الغفور أحمد القطان (2012م). "المكتبة الوقفية نظرة عامة لنشوء الوقف والمكتبات الوقفية وخدماتها في الإسلام مكتبة الأوقاف في الموصل أنموذجا". waqfeya.net (ط. الأولى). دار الكتب والوثائق ببغداد. ص. 21. اطلع عليه بتاريخ 2024-02-18.
- ^ ا ب ج يحيى محمود ساعاتي. "الوقف وبنية المكتبة العربية: استبطان للموروث الثقافي". المستودع الدعوي الرقمي. مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات. ص. 32،21. مؤرشف من الأصل في 2024-02-18. اطلع عليه بتاريخ 2024-02-18.
- ^ ا ب مكتبات المساجد، عليان، ربحي مصطفى، مجلة الهداية، العدد: (161) رجب 1411هـ، (ص 74 – 75).
- ^ ا ب ج المكتبات الوقفية في الدولة العثمانية –مكتبة مصطفى عاشر أفندي نموذجاً-، حميد الله جويا، سنة: (2022م) (ص: 352).
- ^ د. حياة عبيد (2015م). "المكتبات الوقفية في الحضارة الإسلامية و دورها في تطوير البحث العلمي". search.emarefa.net. 19. الجزائر: جامعة الشهيد حمه لخضر-الوادي. ص. 147. مؤرشف من الأصل في 2024-02-20. اطلع عليه بتاريخ 2024-02-20.
- ^ مصطفى الشكعه (٢٠٠٤م). "كتاب مناهج التأليف عند العلماء العرب - المكتبة الشاملة". shamela.ws. 1 (ط. الخامسة). دار العلم للملايين. ص. 44. اطلع عليه بتاريخ 2024-02-22.
- ^ ا ب شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي (ت ٦٢٦هـ) (1995م). "كتاب معجم البلدان - المكتبة الشاملة". shamela.ws. 5 (ط. ١٩٩٥م). دار صادر، بيروت. ص. 114. اطلع عليه بتاريخ 2024-02-22.
{{استشهاد ويب}}
: صيانة الاستشهاد: أسماء عددية: قائمة المؤلفين (link) - ^ ا ب أ. د. بركات محمد مراد. "ص5 - كتاب مجلة البيان - الوقف فضيلة إسلامية وضرورة اجتماعية - المكتبة الشاملة". shamela.ws. 228. مجلة البيان. ص. 7- 10. اطلع عليه بتاريخ 2024-02-22.
- ^ يحيى محمود بن حيدر (1997م). "الوقف والمجتمع، كتاب الرياض". bks4.com. 39. كتاب الرياض. مؤرشف من الأصل في 2024-02-22. اطلع عليه بتاريخ 2024-02-22.
- ^ علي بن إبراهيم الحمد النملة (1420هـ). "أوقاف الكتب والمكتبات مدى استمرارها ومعوقات دوام الإفادة منها". المستودع الدعوي الرقمي. المدينة المنورة، السعودية: مكتبة الملك عبدالعزيز. ص. 11. مؤرشف من الأصل في 2024-02-22. اطلع عليه بتاريخ 2024-02-22.