إدريس بن عبد الله

مؤسس الدولة الإدريسية في شمال إفريقيا

إدريس بن عبد الله الهاشمي القُرشي (127- 177 هـ/ 743- 793 م)[2][3] هو إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب أول من دخل المغرب من الطالبيين[4] أسس فيها عام 172هـ الدولة الإدريسية التي تُعَد ثانيَ دولة إسلامية مستقلة (عن الخلافة الإسلامية) في المغرب الأقصى بعد دولة الأمويين في الأندلس. توجَّه إدريس الأول إثر إيقاع الثورات الداخلية على بني العباس إلى مصر حيث كان واضحٌ مولى صالح بن المنصور المعروف بالمسكين - من أنصار الدعوة الطالبية[5] - واليًا عليها، فأشار على الإمام إدريس أن يتوجَّه إلى المغرب الأقصى وساعده على ذلك،[6] بعد أن أفلت من موقعة فخ قرب مكة التي وقعت سنة 169هـ/ 785م بين الطالبيين بقيادة الحسين بن علي الخير بن الحسن المثلَّث بن الحسن المثنَّى بن الحسن السِّبط بن علي بن أبي طالب) والعبَّاسيين (بقيادة المهدي بن أبي جعفر بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب).[7]

إدريس بن عبد الله
معلومات شخصية
الميلاد 127 هـ / 743م.
شبه الجزيرة العربية[1]  تعديل قيمة خاصية (P19) في ويكي بيانات
الوفاة 177 هـ / 793م.
زرهون، مكناس، المغرب
سبب الوفاة سم  تعديل قيمة خاصية (P509) في ويكي بيانات
مكان الدفن مولاي إدريس زرهون  تعديل قيمة خاصية (P119) في ويكي بيانات
مواطنة الدولة العباسية  تعديل قيمة خاصية (P27) في ويكي بيانات
الديانة الإسلام / أهل السنة والجماعة
الزوجة كنزة الأوربية
الأولاد إدريس الثاني
الأب عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي.
الأم عاتكة بنت عبد الملك بن الحرث المخزومي.
إخوة وأخوات
أقرباء الإدريسي (سليل)  تعديل قيمة خاصية (P1038) في ويكي بيانات
عائلة أدارسة ، آل البيت.
مناصب   تعديل قيمة خاصية (P39) في ويكي بيانات
أمير
788  – 791 
فيالمغرب 
 
الحياة العملية
التعلّم دراسة الفقه والعلوم والشريعة الإسلامية.
المهنة سلطان ، أمير المؤمنين
اللغة الأم العربية  تعديل قيمة خاصية (P103) في ويكي بيانات
اللغات العربية  تعديل قيمة خاصية (P1412) في ويكي بيانات

نسبه وعائلته

عدل

هو: إدريس بن عبد الله الكامل (المَحْض)، بن الحسن المثنَّى، بن الحسن، بن علي، بن أبي طالب، بن عبد المطَّلِب، بن هاشم، بن عبد مَناف، بن قُصَي، بن كِلاب، بن مُرَّة، بن كعب، بن لؤي، بن غالب، بن فِهْر، بن مالك، بن النَّضْر، بن كِنانة، بن خُزَيمة، بن مُدرِكة، بن إلياس، بن مُضَر، بن نِزار، بن مَعَدّ، بن عدنان.

أمه: عاتكة بنت عبد الملك بن الحارث الشاعر بن خالد بن العاصي بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عُمَر بن مخزوم بن يقَظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

يرجع نسب إدريس الأول إلى رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم من جهة فاطمة الزهراء.

إخوته

عدل
  1. محمد الملقب بالنفس الزكية.
  2. إبراهيم المعروف ب(قتيل باخمرى).
  3. موسى. (ويلقب بالجون).
  4. سليمان (وأمه عاتكة بنت عبد الملك بن الحرث المخزومي) القرشي.
  5. يحيى المعروف ب(صاحب الديلم).

لجوء إدريس بن عبد الله إلى المغرب

عدل

ان لفشل ثورة الحسين بن علي بن الحسن المثلث صاحب موقعة فخ سنة 169 هـــ / 786 م نتائج سلبية على العلويين المشتركين فيها. فقد حاول العباسيون استئصالهم. ولكن يشاء القدر أن ينجو من تلك المجزرة إدريس وأخوه يحيى. واختار إدريس طريق المغرب واختياره للمغرب ليس عبثًا بل عن تخطيط مدروس فأخوه يحيى اتجه نحو الشرق، والمشرق قد كان مركز الدعوة العباسية وأكثره موال لهم، وإن ظهرت بوادر العصيان ضدهم فيبقى عباسي الولاء، ولا تنجح فيه ثورة ناهيك عن قربه من دار الخلافة بغداد، فلا بد من اختيار مكان آخر فكان المغرب فهو من ناحية عسكرية بعيد عن الحكومة المركزية، وكان شبه ضائع بعد سقوط الأمويين 132 هـــ/ 749م تتجاذبه الآراء والأفكار الخارجية. لقد كان شبه مستقل عن أية سلطة مركزية سواء كانت في الشرق أم في الأندلس ينتظر أي هاشمي، فكأن القدر هيأه لإستقبال إدريس. والعامل المهم الذي دفع بإدريس إلى التوجه نحو المغرب ورغبه فيه هو راشد الأوربي الذي كان من أهل النجدة والشجاعة والحزم والقوة والعقل والدين والنصيحة لآل البيت. وهنا برز إخلاص راشد لسيده إدريس، فعندما جد الهادي في طلب الحسنيين والبحث عنهم، بعث عيونه على الطرقات وجعل الرصاد في أطراف البلاد فلا يمر أحد حتى يعرف ويعلم صحة نسبه ومن أين قدم وإلى أين يسير. فجنب راشد سيده إدريس هذه الصعوبات إذ عمد إلى أسلوب التمويه فألبسه ثيابًا قديمة ممزقة. وزاد على ذلك بأن صيره كالخادم له يأمره وينهاه. وإدريس على هذه الحال غادر الحجاز بعد أن ترك أهله وماله في المدينة، مغتنمًا فرصة عودة الحجاج إلى ديارهم، فانسل مع حجاج مصر وأفريقيا متخفيا مع راشد. وركبا الاثنان البحر من ميناء ينبع إلى بلاد النوبة. ومنها تابعا السير حتى دخلا مصر.

إدريس في مصر: وفي مصر كان للعلويين أنصار وعلى رأسهم صاحب بريدها واضح مولى صالح بن أبي جعفر المنصور وكان شيعيًا. بادر إدريس إلى الاتصال به. وما إن عرف بوجوده حتى أسرع إلى لقائه في مخبئه. وهنالك عمل على إخراجه من مصر بالسرعة الممكنة خشية عليه من عيون بني العباس والوالي سليمان بن علي فقرر أن ينقله مع قافلة البريد إلى خارج حدود مصر لأن القافلة معفية من التفتيش ومن التدقيق بهوية موظفيها لأنهم من الأشخاص المخلصين للخليفة. وهكذا استغل واضح مركزه لإنقاذ إدريس فحمله مع راشد إلى خارج حدود مصر. ولما أصبح بمأمن من مصالح التفتيش انفصل مع راشد عن قافلة البريد بعد أن ودع واضحًا وشكره. وسار الاثنان حتى دخلا القيروان.

إدريس في القيروان: وصل إدريس إلى القيروان ومعه راشد فأقاما بها مدة، زمن واليها يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب. كانت القيروان لا تزال على ولائها للعباسيين، وواليها يخضع مباشرة للخليفة في بغداد ويتلقى الأوامر منه. فخاف إدريس وقرر الرحيل إلى بلد تتلاشى فيه سلطة بغداد فسار متخفيا مع مولاه راشد حتى حلا في تلمسان. استراح إدريس في تلمسان أيامًا ثم غادرها إلى طنجة، فاجتاز وادي ملوية ودخل السوس الأدنى.

إدريس في طنجة: وصل إدريس إلى طنجة وشرع يدرس أحوالها، كانت طنجة خارجة عن سلطة بغداد، لكنها المركز الرئيسي للعبور إلى الأندلس تعج بالعديد من الناس ذوي الاتجاهات المتباينة الذين لا يمكن الوثوق بهم والاعتماد عليهم، وهي أيضا مهددة من دولة الأمويين في الأندلس، ناهيك عن قلة أنصاره فيها. لذلك قرر مغادرتها لأنها لا تحقق طموحه. فيمم شطر جبل زرهون حيث تقيم قبيلة أوربة. ويبدو أن الذي أوحى إليه بهذا الرأي هو مولاه راشد. وهذا يقوي الاعتقاد بنسب راشد الأوربي البربري، فوصلا إلى مدينة وليلي قاعدة زرهون في غرة ربيع الأول 172 هـــ / 9 آب 788 م. وهي مدينة متوسطة كثيرة المياه والزيتون محاطة بسور عظيم وحلا ضيفين على أميرها إسحاق بن محمد بن عبد الحميد الأوروبي.

إستقرار إدريس في وليلي: كان راشد لا يزال يحتفظ منذ طفولته ببعض عادات البربر والتي أخذ بعضها عن والده. فقدم سيده إلى نسيبه الذي رحب بضيفه وأكرمه. وكان إسحق رجلا مستنيرًا. أقام إدريس في ضيافته ستة أشهر أمن فيها واطمأن بانت خلالها شمائله الحميدة الموروثة عن آبائه وأجداده. فكان حليمًا كريمًا حسن الطوية صادق النية متواضعًا بليغًا متفقهًا في الإسلام. وأكب إدريس على تثقيف مضيفه وتعليمه أصول الإسلام وأحكامه، فازداد تعلق إسحق بإدريس لما رأى هذه الصفات فخلع طاعة العباسيين وبايعه بالإمامة. واغتنم مناسبة حلول شهر رمضان من ذلك العام فجمع أقاربه الأوربيين وقدم إليهم الإمام إدريس سليل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين لهم حلمه وعلمه وكمال دينه. فقالوا له: الحمد لله الذي أتانا وشرفنا بجواره فهو سيدنا ونحن عبيده نموت بين يديه. فما تريد منا؟ قال تبايعونه. قالوا سمعًا وطاعة ما منا من يتوقف عن بيعته وما يريد. فبايعوه بمدينة وليلي يوم الجمعة 4 رمضان 172 هـــ / 6 شباط 789 م على السمع والطاعة والقيام بأمره والاقتداء به في صلواتهم وغزواتهم وسائر أحكامهم. كانت قبيلة أوربة وفيرة العدد قوية الشكيمة تفرض سيطرتها على منطقة زرهون. اجتمعت حول الإمام إدريس ونصرته، ودعت القبائل المجاورة لمبايعته، فلبت الدعوة وبايعته قبيلتا مغيلة وصدينة.

البيعة: بعد أن تلقى الإمام إدريس بيعة أنصاره الأوائل خطب فيهم خطبة مختصرة معبرة.

« نص الخطبة: وبعد حمد الله والصلاة على نبيه وآله قال: أيها الناس لا تمدوا الأعناق إلى غيرنا فإن الذي تجدونه عندنا من الحق، ولا تجدونه عند غيرنا.»

وكانت هذه الخطبة تفصح على إيجازها عن أهداف إدريس الذي يرى الخلافة في آل البيت حقًا. ولما انتشر نبأ مبايعة الإمام إدريس في وليلي وفدت عليه مبايعة قبائل زناتة وزواغة وسدراتة وغياثة ومكناسة وغمارة وكافة البربر في المغرب الأقصى. وبعد أن بايعته هذه الجموع الغفيرة انطلق يجاهد لنشر الإسلام ومحاربة البدع الخارجية فجسد جيشًا من البربر وخرج غازيًا بلاد تامسنا، ففتح أولاً مدينة شالة ثم أتبعها بسائر البلاد وحصونها. ثم سار إلى بلاد تادلا ففتحها وبلغ ماسة. وكان أكثر سكان هذه المناطق يدينون باليهودية والنصرانية والمجوسية والإسلام بها قليل فنشره في ربوعهم. وبعد أن أتم معركة الجهاد الأولى بنجاح عاد الإمام إدريس إلى قاعدته وليلي في ذي الحجة من العام نفسه. وأقام طيلة محرم 173 هـــ / يونيو 789 م. ثم استأنف الإمام الجهاد ضد معاقل وحصون المغرب الأقصى يدين أهلها بغير الإسلام مثل فندلاوة ومديونة وبهلولة وقلاع غياثة وبلاد فازاز. ويبدو أن أكثرية السكان انقادوا للإمام إدريس بسهولة. ولم يستعمل العنف والشدة إلا مع من رفض واستكبر. وهكذا بسط الإمام إدريس سلطته على المغرب الأقصى ونشر الإسلام في ربوعه حتى إنه لم يبق فيه مكان لديانة أخرى منذ ذلك الحين. وهذا لا يعني أن الإسلام لم ينتشر في المغرب قبل الإمام إدريس. ولكن الفاتحين الأوائل اعتمدوا على الناحية العسكرية أكثر من اعتمادهم على الإقناع، فكان همهم التوسع في الفتح. أما نشر الإسلام فيأتي في المرتبة الثانية. وإن قام بعضهم بتعليم البربر مبادئ الإسلام وشرائعه، ولكنها كانت محاولة فردية تزول بزوال القائمين بها. وهذا يفسر أكثر ارتدادهم عن الإسلام بعد كل معركة ينهزم فيها العرب أمامهم. هذا وقد اعتنقوا مبادئ الخوارج. فلما جاءهم الإمام إدريس لم يكن همه الفتح بقدر ما كان نشر الإسلام. وقفل الإمام عائدًا إلى وليلي في منتصف شهر جمادى الآخرة 173 هـــ / 788 م للاستعداد لجولة جهادية جديدة، فأقام بها مدة شهر ثم نفر في منتصف رجب 173 هـــ / 8 يناير 789 م قاصدًا تلمسان في المغرب الأوسط. كانت تقيم بها قبائل مغراوة وبني يفرن الزناتيين، وأميرها محمد بن خزر من ولد صولات المغراوي. نزل الإمام خارجها فأسرع إليها أميرها عارضًا الصلح والمبايعة. واستقبله الإمام بالترحاب وأعطاه الأمان. وجرت مبايعة عامة من الأمير والسكان الذين رحبوا بالإمام وسلموه مدينتهم صلحا. وأمر بتعليم السكان القرآن وباشر بتشييد مسجد للمدينة أتى آية في الإتقان خطب له فيه. ونصب فيه منبرًا كتب عليه (بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أمره الإمام إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي) وذلك في شهر صفر 174هـــ / يونيو 790 م. وبعد أن اطمأن إلى أوضاع مدينة تلمسان وإستقرار الأمور فيها وحسن سيرة أميرها عاد إلى عاصمته وليلي واستقر فيها.

الحركة العلوية

عدل

منذ أن تولى العباسيون الخلافة سنة 132 هـ / 750 م، أصبح أبناء عمهم العلويون في نزاع شديد معهم، لأنهم اعتبروهم غاصبين للمنصب الأعلى في الدولة الإسلامية وأن الحق في توليه يرجع إليهم بالأسبقية. فصاروا يتحينون الفرصة للثورة عليهم.

كان أول من تزعم الحركة محمد بن عبد الله بن الحسن، المدعو النفس الزكية الذي ثار بالمدينة، لكن الخليفة العباسي أبا جعفر المنصور قضى على ثورته سنة 145 هـ/ 762 كما قضى على الثورة الموازية لها التي قادها أخوه إبراهيم بالبصرة في نفس السنة، وكان محمد النفس الزكية فكر في تبليغ الدعوة إلى كل الأقاليم الإسلامية شرقا وغربا، آملا في كسب المزيد من الأنصار للقضية، فوجه بعض إخوته، ولعل منهم إدريس، إلى بلدان إسلامية مختلفة.

وبعد مرور أربع وعشرين سنة على هاته الثورة أي في سنة 169 هـ/ 786، قامت ثورة أخرى بقيادة الحسين بن علي بن الحسن المثلث في ناحية مكة بمكان اسمه فخ. ولم تنجح هاته الثورة بدورها حيث قضى عليها الخليفة الهادي ابن المهدي في معركة كانت شديدة وقتل فيها كثير من العلويين.

استطاع إدريس، عم الحسين، وأخو محمد النفس الزكية. أن ينجو من القتل ويفر من المكان باحثا عن ملجأ يأوي إليه. فكم يكون سنه يومئذ ؟ لا تسعفنا المصادر بجواب واضح عن هذا السؤال. ولكن إذا صدقنا ما أشار إليه البعض منها من كونه ساعد أخاه محمد النفس الزكية، فيمكننا أن نقدر سنه بين الأربعين والخمسين عند نشوب موقعة فخ.

كانت أنظار العلويين، وهم في حالة المراقبة والاضطهاد التي يُعانونها، تتجه بالخصوص إلى المغرب، لبعده عن مركز الخلافة العباسية ولاشتهاره برفع راية العصيان والمعارضة لتلك الخلافة. وقبل العلويين اتجهت أنظار الخوارج لنفس المنطقة. وأمكنهم أن يؤسسوا بها دولتين مشهورتين في تاهرت وسجلماسة، مما يدل على أن البلاد كانت مرشحة لتكون مركزا لثورة مضادة وربما لقيام خلافة مناهضة للخلافة العباسية.

فالتجاء إدريس إلى المغرب صحبة مولاه راشد بعد أن حصل على مساعدة والي مصر وأفلت من مراقبة الشرطة العباسية، يفسره عزمه على الأخذ بثأر العلويين، من جهة، وطموحه إلى تأسيس دولة قادرة على مناوأة الخلافة العباسية والقضاء عليها إذا ما ساعدت الظروف على ذلك، من جهة أخرى.

حينما وصل إدريس إلى المغرب توجه أولا، إلى طنجة التي كانت تعتبر آنذاك حاضرة المغرب الكبرى. وكان لا بد له، ولا شك، من وقت للإطلاع على أحوال البلاد وسكانها وجس نبض أهلها، على المستوى السياسي. فأخذ يتصل بنفسه أو بواسطة مولاه راشد ببعض رؤساء القبائل الكبرى في المغرب لإسماع كلمته ونشر دعوته. وقد احتفظت لنا بعض المصادر بوثيقة مهمة، يرجع الفضل في نشرها إلى علال الفاسي الذي نقلها عن مخطوط يمني. وهي عبارة عن نداء وجهه إدريس إلى المغاربة. وهو نص طويل نكتفي هنا بإيراد فقرة منه[بحاجة لمصدر]:

  "وقد خانت جبابرة في الآفاق شرقا وغربا، وأظهروا الفساد وامتلأت الأرض ظلماً وجوراً. فليس للناس ملجأ ولا لهم عند أعدائهم حسن رجاء. فعسى أن تكونوا معاشر إخواننا من البربر اليد الحاصدة للظلم والجور، وأنصار الكتاب والسنة، القائمين بحق المظلومين من ذرية النبيين. فكونوا عند الله بمنزلة من جاهد مع المرسلين ونصر الله مع النبيين. واعلموا معاشر البربر أني أتيتكم، وأنا المظلوم الملهوف، الطريد الشريد، الخائف الموتور الذي كثر واتره وقل ناصره، وقتل إخوته وأبوه وجده وأهلوه فأجيبوا داعي الله. فقد دعاكم إلى الله."  
(الوثائق : المجموعة الأولى ص 43.).

وأدت الدعوة والاتصالات إلى نتائج إيجابية في أمد قصير، مما يدل على ذكاء، إدريس ودهاء مولاه راشد وهكذا لبت جملة من قبائل البربر الدعوة وقبلت أن تلتف حول إدريس. ولا شك أن انتماءه للأسرة النبوية كان له أثر قوي في هذا الإقبال، سيما والعلويون يومئذ كانوا يمثلون العنصر الثائر والمعارض. فالارتباط بدعوة إدريس معناه التحرر من كل تبعية للخلافة العباسية وضمان الاستقلال السياسي للمغرب.

وترتب عن هذا الموقف الجماعي لقبائل البربر أن حصل اتفاق بين إدريس بن عبد الله وزعيم أوربة القبيلة ذات الشوكة في المنطقة، إسحاق محمد بن عبد الحميد الأوربي. وتحول إدريس إلى مدينة وليلي، حيث تمت بيعته يوم الجمعة 4 رمضان سنة 172 هـ الموافق 6 فبراير 789 م. وكانت قبيلة أوربة أول من بايعه من قبائل المغرب، نظراً لمنزلتها الكبرى في المنطقة. ثم تلتها قبائل زناتة وأصناف من قبائل أخرى مثل زواغة وزواوة ولماية وسدراتة وغياثة ونفزة ومكناسة وغمارة الخ. وكان للقبائل في ذلك العصر أهمية أكبر من اليوم، نظرا لكون البادية كانت أكثر سكانا من المدن ولكون ظاهرة العصبية كانت ذات تأثير خطير، على المستوى السياسي.

ويحدد القرطاس شروط البيعة، إذ يقول: «بايعوه على الإمارة والقيام بأمرهم وصلواتهم وغزوهم وأحكامهم» (ص 20). وكان الحدث في حد ذاته ذا أهمية قصوى في تاريخ المغرب لأنه يرمز إلى قيام الدولة المغربية المستقلة لأول مرة في حياة البلاد، بحيث كانت الدولة الإدريسية بما خلقته من تقاليد ونظم لتسيير البلاد أول صورة لدولة حقيقية في المغرب تكيف المعطيات البشرية المحلية مع تعاليم الإسلام وتراثه السياسي.

وما أن بويع إدريس حتى كون جيشا من قبائل زناتة وأوربة وصنهاجة وهوارة وقاده لفتح أقاليم مغربية أخرى وتوسيع مملكته. فاستولى على شالة، ثم على سائر بلاد تامسنا وتادلا. وعمل على نشر الإسلام بها. ثم عاد بجيشه إلى وليلي في آخر ذي الحجة من سنة 172 هـ. وتوقف مدة قصيرة بقصد إراحة الجنود.

ثم خرج في سنة 173 هـ لمواصلة نشر الإسلام بالمعاقل والجبال والحصون المنيعة، مثل حصون فندلاوة وحصون مديونة وبهلولة وقلاع غياثة وبلاد فازاز أي الأطلس المتوسط. وتوصل إلى نتائج إيجابية عند قيامه بتبليغ الدعوة، حيث استجاب السكان لدعوته بالقبول. ثم عاد من حملته العسكرية تلك في جمادى الأخيرة سنة 173 إلى مدينة وليلي بقصد إراحة جيشه.

وفي نصف رجب من السنة ذاتها (8 دجنبر 789)، توجه إدريس بجيشه صوب الجهة الشرقية من المغرب الأقصى، فوصل إلى مدينة تلمسان وخيم قبالتها. فخرج إليه أميرها محمد بن خزر بن صولات المغراوي فطلب منه الأمان، فأمنه إدريس، فقدم له محمد بن خزر بيعته، ودخل إدريس إلى تلمسان بعد أن بايعته قبائل زناتة بتلك الجهات.

 
ضريح إدريس الأكبر مولاي إدريس زرهون

هكذا حصل إدريس على نتائج كبيرة في أقل من سنتين، بفضل جده ومثابرته وشجاعته، وأصبح يضم تحت سلطته مملكة تمتد من تامسنا غربا إلى تلمسان شرقا، مارة بتادلا والأطلس المتوسط. كل هذا أثار مخاوف الخليفة هارون الرشيد، سيما وهو يلاحظ أن إدريس في تحركاته العسكرية الأخيرة أخذ يتجه نحو الشرق وبات يشكل خطرا وشيكا على ولايتها الأمامية في المغرب: أفريقية، التي كانت يومئذ في وضع قلق وتعاني من اضطرابات مختلفة. فلم ير الرشيد بدا من التخلص من إدريس بأية وسيلة[بحاجة لمصدر].

ولا فائدة من الدخول في تفاصيل الرواية المتداولة عن اغتيال إدريس عن طريق السم التي وقع فيها بعض الاختلاف والزيادات القصصية. والمهم في ذلك هو أن الرشيد لما رأى صعوبة توجيه جيش من العراق إلى المغرب وأدرك أنه لا يستطيع أن يعتمد كثيرا على جيشه بأفريقية، قرر اللجوء إلى أسلوب الاغتيال على يد رجل ماهر في الكذب والتلبيس والجاسوسية[انحياز]. كما يحدث إلى يومنا هذا في قضايا الاغتيال السياسي. وبمساعدة إبراهيم بن الأغلب الذي كان من الرجال الثِّقات عند الرشيد على الصعيد المحلي وكان مرشحا لتولي منصب الولاية على أفريقية. هل الشخص المكلف بهاته المهمة كان هو الشماخ أو سليمان بن جرير ؟ سؤال يستحيل الجواب عليه. وكل ما يمكن تأكيده هو أن ذلك الشخص تمكن من اغتيال إدريس عن طريق السم سنة 174 هـ / 791, وكان عمره 47 سنة. تلك، على وجه الإجمال، هي ترجمة إدريس الأول الذي أصبح شخصا مقدسا عند المغاربة له ضريح كبير في مدينة زرهون، يقام له فيه موسم كبير في كل سنة.

قضايا تتعلق بترجمته

عدل

1. اختلاف في تاريخ قدوم إدريس إلى المغرب ؟ هناك رواية تقول إن مجيء إدريس إلى المغرب حدث في عهد أبي جعفر المنصور أي إثر ثورة محمد النفس الزكية في سنة 145 هـ. ولكن أغلب الروايات تقول إنه جاء بعد موقعة فخ سنة 169 هـ. وهو التاريخ المعتمد عند جل المؤرخين القدماء والمحدثين، وهو الذي ذكره ابن سهل الرازي في أخبار فخ.

2. ورد في بعض المصادر الزيدية أن إدريس قصد المغرب داعيا لأخيه يحيى بن عبد الله الذي فر إلي الديلم. فلما بلغه موت أخيه في سجن الرشيد، دعا إلى نفسه. وهي رواية يصعب البت فيها. وهي، على أي حال، لا تتنافى مع ما حدث من بعد.

3. تأسيس فاس : كانت الرواية المتداولة والمنقولة عن القرطاس هي أن إدريس الثاني هو المؤسس الأول لمدينة فاس. لكن، بعد العثور على قطع نقدية إدريسية والإطلاع على نصوص الرازي والبكري وابن سعيد وغيرهم، وبعد الدراسة المهمة التي قدمها المستشرق ليفي بروفنصال في هذا الصدد، يتضح أن المؤسس الأول لمدينة فاس كان هو إدريس بن عبد الله، أي إدريس الأول وأن إدريس الثاني أضاف إليها عدوة القرويين بعد مرور عشرين سنة على البناء الأول. وكانت المدينة الثانية تحمل اسم «العالية» حسب شهادة النقود.12

المراجع

عدل
  1. ^ Emmanuel K. Akyeampong; Henry Louis Gates, Jr., eds. (2012), Dictionary of African Biography (بالإنجليزية), New York City: Oxford University Press, OL:24839793M, QID:Q46002746
  2. ^ أبو الفرج الأصبهاني مقاتل الطالبيين ص 409.
  3. ^ العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم لابن الوزير الحسني القاسمي 191/4.
  4. ^ نفس المصدر.
  5. ^ سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي لعبد الملك العصامي المكي 181/4
  6. ^ ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر لإبن خلدون 11/4
  7. ^ البلدان لابن الفقيه الهمداني 133/1.

المصادر

عدل
  • عقد فريد في تاريخ الشرفاء التليد - تأليف الدكتور أمل بن إدريس بن الحسن العلمي.
  • د.حسين مؤنس. تاريخ المغرب وحضارته / المجلد
  • ابن سهل الرازي : أخبار فخ ,ص158.
  • ابن فندق: لباب الأنساب ,1/412.
  • أبو الفداء: المختصر في أخبار البشر، 1/315.
  • الجنداري: تراجم الرجال ضمن شرح الأزهار ,1/6.
  • دولة الأدارسة في المغرب - تأليف الدكتور سعدون عباس نصرالله - دار النهضة العربية للطباعة والنشر. ص 59-76
  • كتاب جمهرة أنساب العرب لأبي محمد علي بن احمد بن سعيد بن حزم الأندلسي المتوفي سنة 456 هجري صفحة 49

وصلات خارجية

عدل